كتاب تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (اسم الجزء: 1)

التفسير:

. {١٧} قوله تعالى: {مثلهم} أي وصْفهم، وحالهم {كمثل الذي استوقد ناراً} أي طلب من غيره أن يوقد له ناراً، أو طلب من غيره ما يوقد به النار بنفسه؛ {فلما أضاءت ما حوله} أي أنارت ما حول المستوقد، ولم تذهب بعيداً لضعفها؛ {ذهب الله بنورهم} يعني: وأبقى حرارة النار؛ و "لما" حرف شرط، و {أضاءت} فعل الشرط؛ و {ذهب الله} جواب الشرط؛ والمعنى: أنه بمجرد الإضاءة ذهب النور؛ لأن القاعدة أن جواب الشرط يلي المشروط مباشرة ..
وفي هذه الآية نجد اختلافاً في الضمائر: {استوقد}: مفرد؛ {حوله}: مفرد؛ {بنورهم}: جمع؛ {تركهم}: جمع؛ {لا يبصرون}: جمع؛ قد يقول قائل: كيف يجوز في أفصح الكلام أن تكون الضمائر مختلفة والمرجع فيها واحد؟ الجواب من وجهين:.

الأول: أن اسم الموصول يفيد العموم؛ وإذا كان يفيد العموم فهو صالح للمفرد، والجمع؛ فتكون الضمائر في {استوقد}، و {حوله} عادت إلى اسم الموصول باعتبار اللفظ؛ وأما {نورهم}، و {تركهم}، و {لا يبصرون} فعادت إلى الموصول باعتبار المعنى ..

الوجه الثاني: أن الذي استوقد النار كان مع رفقة، فاستوقد النار له، ولرفقته؛ ولهذا قال تعالى: {أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم ... } إلخ ..

وعلى الوجه الثاني تكون الآية ممثلة لرؤساء المنافقين مع
القرآن
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (البقرة: ٢١٨)

التفسير:

{٢١٨} قوله تعالى: {إن الذين آمنوا}؛ «الإيمان» في اللغة التصديق: قال تعالى عن إخوة يوسف قائلين لأبيهم: {وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين} [يوسف: ١٧]؛ وأما في الشرع فهو التصديق المستلزم للقبول والإذعان.
قوله تعالى: {والذين هاجروا} معطوفة على ما سبق من باب عطف الصفات، كقوله تعالى: {سبح اسم ربك الأعلى * الذي خلق فسوى * والذي قدر فهدى * والذي أخرج المرعى} [الأعلى: ١ - ٤]؛ فهذه المعطوفات من باب عطف الصفات؛ لأن الموصوف بها واحد؛ و «الهجر» في اللغة الترك؛ ومنه: «هجرت فلاناً» إذا لم تكلمه؛ وفي الشرع له معنيان: عام، وخاص؛ فأما العام فهو هجر ما حرم الله عزّ وجلّ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «المهاجر من هجر ما نهى الله عنه» (¬١)؛ وأما الخاص فهو أن يهجر الإنسان بلده ووطنه لله ورسوله، بأن يكون هذا البلد بلد كفر لا يقيم فيه الإنسان دينه؛ فيهاجر من أجل إقامة دين الله، وحماية نفسة من الزيغ، كما جاء في الحديث الصحيح: «من كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه» (¬٢)؛
---------------
(¬١) أخرجه البخاري ص ٣، كتاب الإيمان، باب ٤: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، حديث رقم ١٠.
(¬٢) أخرجه البخاري ص ١، كتاب الوحي، باب ١: كيف كان بدء الوحي ... ، حديث رقم ١، وأخرجه مسلم ص ١٠١٩، كتاب الإمارة، باب ٤٥: قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات"، حديث رقم ٤٩٢٧ [١٥٥] ١٩٠٧.

الصفحة 62