كتاب تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (اسم الجزء: 1)

٤ ومن فوائد الآيتين: أن الإيمان نور له تأثير حتى في قلب المنافق؛ لقوله تعالى: {فلما أضاءت ما حوله}: الإيمان أضاء بعض الشيء في قلوبهم؛ ولكن لما لم يكن على أسس لم يستقر؛ ولهذا قال تعالى في سورة المنافقين. وهي أوسع ما تحدَّث الله به عن المنافقين: {ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم} [المنافقون: ٣] ..

. ٥ ومنها: أنه بعد أن ذهب هذا الضياء حلت الظلمة الشديدة؛ بل الظلمات ..

. ٦ ومنها: أن الله تعالى جازاهم على حسب ما في قلوبهم: {ذهب الله بنورهم}، كأنه أخذه قهراً ..

فإن قال قائل: أليس في هذا دليل على مذهب الجبرية؟

فالجواب: لا؛ لأن هذا الذي حصل من رب العباد عزّ وجلّ بسببهم؛ وتذكَّر دائماً قول الله تعالى: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم} [الصف: ٥]. حتى يتبين لك أن كل من وصفه الله بأنه أضله فإنما ذلك بسبب منه

. ٧ ومن فوائد الآيتين: تخلي الله عن المنافقين؛ لقوله تعالى: [وتركهم]

ويتفرع على ذلك: أن من تخلى الله عنه فهو هالك. ليس عنده نور، ولا هدًى، ولا صلاح؛ لقوله تعالى: (وتركهم في ظلمات لا يبصرون).
٨ ومن فوائد الآيتين: أن هؤلاء المنافقين أصم الله تعالى آذانهم، فلا يسمعون الحق؛ ولو سمعوا ما انتفعوا؛ ويجوز أن يُنفى الشيء لانتفاء الانتفاع به، كما في قوله تعالى: {ولا تكونوا
الجواب أن القائم بالأعمال الصالحة قد يحصل منه شيء من التفريط، والتقصير؛ ولذلك شرع للمصلي أن يستغفر الله ثلاثاً بعد السلام؛ وأما ذكر «الرحيم» فواضح مناسبته؛ لأن كل هذه الأعمال التي عملوها من آثار رحمته؛ وسبق الكلام على هذين الاسمين الكريمين.

الفوائد:

١ - من فوائد الآية: فضيلة الإيمان، والهجرة؛ لقوله تعالى: {إن الذين آمنوا والذين هاجروا} الآية.

٢ - ومنها: أن الجهاد دون مرتبة الهجرة؛ لأنه جعل الجهاد معطوفاً على الهجرة؛ ولم يجعل له اسماً موصولاً مستقلاً.
٣ - ومنها: مراعاة الإخلاص في الهجرة، والجهاد؛ لقوله تعالى: {في سبيل الله}؛ وأما بدون الإخلاص فهجرته إلى ما هاجر إليه؛ واعلم أنه يقال: في كذا؛ ولكذا؛ وبكذا؛ تقول مثلاً: جاهدت لله؛ وجاهدت بالله؛ وجاهدت في الله؛ فـ «لله»: اللام لبيان القصد؛ فتدل على الإخلاص؛ و «بالله»: الباء للاستعانة؛ فتدل على أنك جاهدت مستعيناً بالله؛ و «في الله»: «في» للظرفية؛ فتدل على أن ذلك الجهاد على وفق شرع الله - لم يتعد فيه الحدود -.

٤ - ومن فوائد الآية: أنه لا ينبغي للإنسان أن يكون جازماً بقبول عمله؛ بل يكون راجياً؛ ولكنه يرجو رجاءً يصل به إلى حسن الظن بالله عزّ وجلّ؛ لقوله تعالى: {أولئك يرجون رحمة الله}؛ لأنهم لا يغترون بأعمالهم؛ ولا يُدْلُون بها على الله؛ وإنما يفعلونها وهم راجون رحمة الله.

الصفحة 65