كتاب تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (اسم الجزء: 1)

قوله تعالى: {اعبدوا ربكم} أي تذللوا له بالطاعة؛ وذلك بفعل الأوامر، واجتناب النواهي ذلاً تاماً ناشئاً عن المحبة، والتعظيم؛ و "الرب" هو الخالق المالك المدبر لشؤون خلقه؛ {الذي خلقكم} أي أوجدكم من العدم؛ {والذين من قبلكم} معطوف على الكاف في قوله تعالى: {خلقكم}. يعني وخلق الذين من قبلكم؛ والمراد بـ "من قبلنا": سائر الأمم الماضية ..

وقوله تعالى: {الذي خلقكم} صفة كاشفة تبين بعض معنى الربوبية؛ وليست صفة احترازية؛ لأنه ليس لنا ربان أحدهما خالق، والثاني غير خالق؛ بل ربنا هو الخالق ..

قوله تعالى: {لعلكم تتقون}؛ "لعل" هنا للتعليل. أي لتصلوا إلى التقوى؛ ومعلوم أن التقوى مرتبة عالية، حتى قال الله عزّ وجلّ في الجنة: {أعدت للمتقين} [آل عمران: ١٣٣]، وقال تعالى: {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} [النحل: ١٢٨]، وقال تعالى: {واعلموا أن الله مع المتقين} [البقرة: ١٩٤] ..

الفوائد:

. ١ من فوائد الآية: العناية بالعبادة؛ يستفاد هذا من وجهين؛ الوجه الأول: تصدير الأمر بها بالنداء؛ والوجه الثاني: تعميم النداء لجميع الناس مما يدل على أن العبادة أهم شيء؛ بل إنّ الناس ما خُلقوا إلا للعبادة، كما قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} (الذاريات: ٥٦)

. ٢ ومنها: أن الإقرار بتوحيد الربوبية مستلزم للإقرار بتوحيد الألوهية؛ لقوله تعالى: {اعبدوا ربكم} ..

. ٣ ومنها: وجوب عبادة الله عزّ وجلّ وحده. وهي التي
قوله تعالى: {إن الله عزيز حكيم} هذه الجملة تعليل لما سبق من قوله تعالى: {ولو شاء الله لأعنتكم كأنه قال: ولو شاء الله لأعنتكم؛ لأن له العزة، والحكم؛ و «العزيز»، و «الحكيم» اسمان من أسماء الله تقدم معناهما، وأنواعهما.

الفوائد:

١ - من فوائد الآيتين: حرص الصحابة رضي الله عنهم على معرفة أحكام الله سبحانه وتعالى فيما يفعلونه، ويأتونه من مآكل، ومشارب، وغيرها.
٢ - ومنها: أن الدين الإسلامي جاء بتحصيل المصالح، ودرء المفاسد.

٣ - ومنها: المقارنة في الأمور بين مصالحها، ومفاسدها.

٤ - ومنها: ترجيح المصالح على المفاسد، أو المفاسد على المصالح حسب ما يترتب عليها.

٥ - ومنها: أنه مهما كثرت المنافع في الخمر والميسر، فإن الإثم أكبر من منافعهما.

٦ - ومنها: حرص الصحابة رضي الله عنهم على معرفة ما يُبذل، ويُنفَق؛ لقوله تعالى: {ويسألونك ماذا ينفقون}.

٧ - ومنها: أن الأفضل في الإنفاق أن ينفق الإنسان ما يزيد على حاجته.

٨ - ومنها: أن دفع الحاجة أفضل من الإنفاق؛ لقوله تعالى: {قل العفو} أي ما زاد على حاجتكم، كما سبق بيانه.

٩ - ومنها: أن الله - تبارك وتعالى - قد بين لعباده البيان التام في آياته الكونية، والشرعية.

الصفحة 73