كتاب تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (اسم الجزء: 1)

٤ ومنها: حكمة الله سبحانه وتعالى، ورحمته بإنزال المطر من السماء؛ وجه ذلك: لو كان الماء الذي تحيى به الأرض يجري على الأرض لأضر الناس؛ ولو كان يجري على الأرض لحُرِم منه أراضٍ كثيرة. الأراضي المرتفعة لا يأتيها شيء؛ ولكن من نعمة الله أن ينزل من السماء؛ ثم هناك شيء آخر أيضاً: أنه ينزل رذاذاً. يعني قطرةً قطرةً؛ ولو نزل كأفواه القرب لأضر بالناس ..

. ٥ ومنها: إثبات الأسباب؛ لقوله تعالى: (فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم) ..

. ٦ ومنها: أن الأسباب لا تكون مؤثرة إلا بإرادة الله عزّ وجلّ؛ لقوله تعالى: (فأخرج به) ...
٧ ومنها: أنه ينبغي لمن أراد أن يضيف الشيء إلى سببه أن يضيفه إلى الله مقروناً بالسبب، مثل لو أن أحداً من الناس غرق، وجاء رجل فأخرجه. أنقذه من الغرق؛ فليقل: أنقذني الله بفلان؛ وله أن يقول: أنقذني فلان؛ لأنه فعلاً أنقذه؛ وله أن يقول: أنقذني الله ثم فلان؛ وليس له أن يقول: أنقذني الله وفلان؛ لأن هذا تشريك مع الله؛ ويدل لهذا. أي الاختيار أن يضيف الشيء إلى الله مقروناً بالسبب. أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دعا الغلام اليهودي للإسلام وكان هذا الغلام في سياق الموت، فعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يسلم، فأسلم؛ لكنه أسلم بعد أن استشار أباه: التفت إليه ينظر إليه يستشيره؛ قال: "أطع أبا القاسم". أمر ولده أن يسلم، وهو لم يسلم في تلك الحال، أما بعد فلا ندري، والله أعلم؛ فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "الحمد لله
عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون} [الأنفال: ٣٦].
قوله تعالى: {والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه}، أي يدعو الناس إلى الجنة بالحث على الأعمال الصالحات؛ ومغفرة الذنوب بالحث على التوبة، والاستغفار؛ و {بإذنه} أي إذن الله؛ والإذن على قسمين: إذن كوني - وهو ما يتعلق بالمخلوقات، والتقديرات -؛ وإذن شرعي - وهو ما يتعلق بالتشريعات -؛ فمن الأول قوله تعالى: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} [البقرة: ٢٥٥]؛ ومن الثاني قوله تعالى: {ءآلله أذن لكم أم على الله تفترون} [يونس: ٥٩] يعني شرع لكم؛ والظاهر أن الإذن في هذه الآية - والله أعلم - يشمل القسمين؛ لأن دخول الإنسان فيما يكون سبباً للجنة، والمغفرة كوني؛ وما يكون سبباً للجنة، والمغفرة هذا مما شرعه الله.

قوله تعالى: {ويبين آياته للناس} أي يظهرها، و «آيات» جمع آية؛ وهي العلامة القاطعة التي تستلزم العلم بمدلولها، كما قال تعالى: {وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون} [يس: ٤١].

قوله تعالى: {لعلهم يتذكرون} أي يتعظون؛ والجملة تعليلية.

الفوائد:
١ - من فوائد الآية: أنه يحرم على المؤمن نكاح المشركات؛ لقوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن}؛ ويستثنى من ذلك أهل الكتاب من اليهود، والنصارى؛ لقوله

الصفحة 78