كتاب تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (اسم الجزء: 1)

عبد الله، ورسوله" (¬١)؛ و "العبودية": هي التذلل للمحبوب، والمعظم؛ ولهذا قال الشاعر في محبوبته:.

(لا تدعني إلا بيا عبدها فإنه أشرف أسمائي) يعني: لا تقل: فلان، وفلان؛ بل قل: يا عبد فلانة؛ لأن هذا عنده أشرف أوصافه، حيث انتمى إليها. نعوذ بالله من الخذلان ..

قوله تعالى: {فأتوا بسورة}: أمر يقصد به التحدي. يعني: إذا كنتم في شك من هذا القرآن فإننا نتحداكم أن تأتوا بسورة واحدة؛ {من مثله}: يحتمل أن يكون الضمير عائداً إلى الرسول صلى الله عليه وسلم؛ والمعنى: من مثل محمد صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يكون عائداً إلى القرآن المنزل؛ والمعنى: من مثل ما نزلنا على عبدنا. أي من جنسه؛ وكلاهما صحيح ..
قوله تعالى: {وادعوا شهداءكم} أي الذين تشهدون لهم بالألوهية، وتعبدونهم كما تعبدون الله، ادعوهم ليساعدوكم في الإتيان بمثله؛ وهذا غاية ما يكون من التحدي: أن يتحدى العابدَ والمعبودَ أن يأتوا بسورة مثله.

قوله تعالى: {من دون الله} أي مما سوى الله؛ {إن كنتم صادقين} أي في أن هذا القرآن مفترًى على الله؛ والجواب على هذا: أنه لا يمكن أن يأتوا بسورة مثله مهما أتوا من المعاونين، والمساعدين ..
---------------
(¬١) أخرجه البخاري ص ٢٨١، كتاب أحاديث الأنبياء، باب ٤٨: قول الله تعالى: (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها)، حديث رقم ٣٤٤٥.
- تعرف الطهر بانقطاع الدم فقط ولا ترى القصة البيضاء.

قوله تعالى: {فإذا تطهرن}: جمهور أهل العلم على أن المراد اغتسلن؛ فإن القرآن يفسر بعضه بعضاً؛ فهي كقوله تعالى: {وإن كنتم جنباً فاطهروا} [المائدة: ٦]، أي اغتسلوا.
قوله تعالى: {فأتوهن من حيث أمركم الله}؛ الفاء رابطة لجواب الشرط؛ وهو قوله تعالى: {فإذا تطهرن}؛ والمراد بالإتيان الجماع - كني بالإتيان عن المجامعة -؛ والأمر هنا للإباحة؛ وقيل إن {مِن} بمعنى «في» أي فأتوهن في المكان الذي أمركم الله بإتيانه؛ وهو الفرج؛ وقيل: إن {مِن} للابتداء؛ فهي على بابها؛ أي فأتوهن من هذه الطريق من حيث أمركم الله؛ وهو أن تطؤوهن في الفروج؛ لقوله تعالى في الآية بعدها: {نساؤكم حرث لكم} [البقرة: ٢٢٣]؛ والحرث هو موضع الزرع؛ وموضع الزرع هو القبل؛ فيكون معنى قوله تعالى: {فأتوهن من حيث أمركم الله} أي من قُبُلهن؛ وليس من الدبر.

وقوله تعالى: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}؛ هذا تعليل لما سبق من الأوامر؛ وهي اعتزال النساء في المحيض، وإتيانهن من حيث أمر الله بعد التطهر.

وقوله تعالى: {يحب التوابين ويحب المتطهرين}: المحبة معروفة؛ و {التوابين} صيغة مبالغة تفيد الكثرة؛ فالتوابون كثيرو التوبة؛ و «التوبة» هي الرجوع من معصية الله إلى طاعته؛ و {المتطهرين} أي الذين يتطهرون من الأحداث، والأخباث؛ وجمع بين ذلك، وبين التوبة؛ لأن «التوبة» تطهير الباطن؛ و «التطهر» تطهير الظاهر.

الصفحة 82