كتاب تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (اسم الجزء: 1)

٥ ومن فوائد الآية: أن النار دار للكافرين؛ لقوله تعالى: {أعدت للكافرين}؛ وأما من دخلها من عصاة المؤمنين فإنهم لا يخلدون فيها؛ فهم فيها كالزوار؛ لا بد أن يَخرجوا منها؛ فلا تسمى النار داراً لهم؛ بل هي دار للكافر فقط؛ أما المؤمن العاصي. إذا لم يعف الله عنه. فإنه يعذب فيها ما شاء الله، ثم يخرج منها إما بشفاعة؛ أو بمنة من الله وفضل؛ أو بانتهاء العقوبة ..

مسألة:

إذا قال قائل: ما وجه الإعجاز في القرآن؟ وكيف أعجز البشر؟ ..

الجواب: أنه معجز بجميع وجوه الإعجاز؛ لأنه كلام الله، وفيه من وجوه الإعجاز ما لا يدرك؛ فمن ذلك:.

أولاً: قوة الأسلوب، وجماله؛ والبلاغة، والفصاحة؛ وعدم الملل في قراءته؛ فالإنسان يقرأ القرآن صباحاً، ومساءً. وربما يختمه في اليومين، والثلاثة. ولا يمله إطلاقاً؛ لكن لو كرر متناً من المتون كما يكرر القرآن ملّ ..

ثانياً: أنه معجز بحيث إن الإنسان كلما قرأه بتدبر ظهر له بالقراءة الثانية ما لم يظهر له بالقراءة الأولى ..
ثالثاً: صدق أخباره بحيث يشهد لها الواقع؛ وكمال أحكامه التي تتضمن مصالح الدنيا، والآخرة؛ لقوله تعالى: {وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً} (الأنعام: ١١٥)

رابعاً: تأثيره على القلوب، والمناهج؛ وآثاره، حيث ملك به السلف الصالح مشارق الأرض، ومغاربها ..
٢ - ومنها: أن الرجل حرٌّ في الحرث: إن شاء فعل؛ وإن شاء لم يفعل؛ لكن عليه أن يعاشر زوجته بالمعروف في كل ما يعاملها به؛ لقوله تعالى: {وعاشروهن بالمعروف} [النساء: ١٩]، وقوله تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم} [البقرة: ٢٢٨].
٣ - ومنها: أنه ينبغي للإنسان أن يحاول كثرة النسل؛ لقوله تعالى: {حرث لكم}؛ وإذا كانت حرثاً فهل الإنسان عندما يحرث أرضاً يقلل من الزرع، أو يكثر من الزرع؟

فالجواب: الإنسان عندما يحرث أرضاً يكثر من الزرع؛ ويؤيد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «تزوجوا الودود الولود» (¬١)؛ وأما القول بتحديد النسل فهذا لا شك أنه من دسائس أعداء المسلمين يريدون من المسلمين ألا يكثروا؛ لأنهم إذا كثروا أرعبوهم، واستغنوا بأنفسهم عنهم: حرثوا الأرض، وشغَّلوا التجارة، وحصل بذلك ارتفاع للاقتصاد، وغير ذلك من المصالح؛ فإذا بقوا مستحسرين قليلين صاروا أذلة، وصاروا محتاجين لغيرهم في كل شيء؛ ثم هل الأمر بيد الإنسان في بقاء النسل الذي حدده؟! فقد يموت هؤلاء المحدَّدون؛ فلا يبقى للإنسان نسل.

٤ - ومن فوائد الآية: جواز إتيان المرأة في محل الحرث من أيّ جهة؛ قوله تعالى: {فأتوا حرثكم أنى شئتم}.
---------------
(¬١) أخرجه أحمد ٣/ ١٥٨، حديث رقم ١٢٦٤٠، وأخرجه أبو داود ص ١٣٧٤، كتاب النكاح، باب ٣، النهي عن تزوج من لم يلد من النساء، حديث رقم ٢٠٥٠/أ، وأخرجه النسائي ص ٢٢٩٦، كتاب النكاح، باب ١١: كراهية تزويج العقيم، حديث رقم ٣٢٢٩.

الصفحة 88