كتاب تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (اسم الجزء: 1)

النبي صلى الله عليه وسلم (: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد (¬١) " ..

قوله تعالى: {أن لهم جنات}: هذا المبشر به: أن لهم عند الله عزّ وجلّ {جنات ... }: جمع "جنَّة"؛ وهي في اللغة: البستان كثير الأشجار بحيث تغطي الأشجار أرضه، فتجتن بها؛ والمراد بها شرعاً: الدار التي أعدها الله للمتقين، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ..

قوله تعالى: {تجري من تحتها الأنهار} أي تسيح من تحتها الأنهار؛ و {الأنهار} فاعل {تجري}؛ و {من تحتها} قال العلماء: من تحت أشجارها، وقصورها؛ وليس من تحت سطحها؛ لأن جريانها من تحت سطحها لا فائدة منه؛ وما أحسن جري هذه الأنهار إذا كانت من تحت الأشجار، والقصور! يجد الإنسان فيها لذة في المنظر قبل أن يتناولها ..

وقد بيّن الله تعالى أنها أربعة أنواع، كما قال تعالى: {مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفَّى} (محمد: ١٥).
قوله تعالى: {كلما رزقوا} أي أعطوا؛ {منها} أي من الجنات؛ {من ثمرة} أي من أيّ ثمرة؛ {قالوا هذا الذي رزقنا من قبل} لأنه يشبه ما سبقه في حجمه، ولونه، وملمسه، وغير ذلك
---------------
(¬١) أخرجه البخاري ص ٢١٤، كتاب الصلح، باب ٥: إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، حديث رقم ٢٦٩٧؛ وأخرجه مسلم ص ٩٨٢ - ٩٨٣، كتاب الأقضية، باب ٨: نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، حديث رقم ٤٤٩٣ [١٨] ١٧١٨، واللفظ لمسلم.
التفسير:

{٢٢٤} قوله تعالى: {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس}، أي لا تصيروا الحلف بالله معترضاً بينكم، وبين البر، والتقوى، والإصلاح بين الناس؛ فـ «البر» فعل الخيرات؛ و «التقوى» هنا اجتناب الشرور؛ و «الإصلاح بين الناس» التوفيق بين المتنازعين حتى يلتئم بعضهم إلى بعض، ويزول ما في أنفسهم.

قوله تعالى: {والله سميع عليم}، أي سميع لما يقال عليم بكل شيء.

الفوائد:

١ - من فوائد الآية: نهي الإنسان عن جعل اليمين مانعة له من فعل البر، والتقوى، والإصلاح بين الناس؛ والنهي للتحريم إذا كانت مانعة له من واجب؛ وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فكفر عن يمينك وائت الذي هو خير» (¬١).

٢ - ومنها: الحث على البر، والتقوى، والإصلاح بين الناس؛ وجهه: أنه إذا كان الله نهانا أن نجعل اليمين مانعاً من فعل البر فما بالك إذا لم يكن هناك يمين.
٣ - ومنها: فضيلة الإصلاح بين الناس؛ لقوله تعالى:
---------------
(¬١) أخرجه البخاري ص ٥٥٤، كتاب الإيمان والنذور، باب ١: قول الله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في إيمانكم)، حديث رقم ٦٦٢٢، وأخرجه مسلم ص ٩٦٧، كتاب الإيمان، باب ٣: ندب من حلف يميناً فرأى غيرها خيراً منها ... ، حديث رقم ٤٢٨١ [١٩] ١٦٢٥.

الصفحة 91