كتاب تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (اسم الجزء: 1)

قوله تعالى: {هم فيها خالدون} أي ماكثون لا يخرجون منها ..

الفوائد:

. ١ من فوائد الآية: مشروعية تبشير الإنسان بما يسر؛ لقوله تعالى: {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات}؛ ولقول الله تبارك وتعالى: {وبشرناه بإسحاق نبيًّا من الصالحين} [الصافات: ١١٢]، وقوله تعالى: {وبشروه بغلام عليم} [الذاريات: ٢٨]، وقوله تعالى: {فبشرناه بغلام حليم} [الصافات: ١٠١]؛ فالبشارة بما يسر الإنسان من سنن المرسلين. عليهم الصلاة والسلام؛ وهل من ذلك أن تبشره بمواسم العبادة، كما لو أدرك رمضان، فقلت: هنّاك الله بهذا الشهر؟ الجواب: نعم؛ وكذلك أيضاً لو أتم الصوم، فقلت: هنّأك الله بهذا العيد، وتقبل منك عبادتك وما أشبه ذلك؛ فإنه لا بأس به، وقد كان من عادة السلف ..

. ٢ ومن فوائد الآية: أن الجنات لا تكون إلا لمن جمع هذين: الإيمان، والعمل الصالح ..

فإن قال قائل: في القرآن الكريم ما يدل على أن الأوصاف أربعة: الإيمان؛ والعمل الصالح؛ والتواصي بالحق؛ والتواصي بالصبر؟

فالجواب: أن التواصي بالحق، والتواصي بالصبر من العمل الصالح، لكن أحياناً يُذكر بعض أفراد العام لعلة من العلل، وسبب من الأسباب ..

. ٣ ومنها: أن جزاء المؤمنين العاملين للصالحات أكبر بكثير مما عملوا، وأعظم؛ لأنهم مهما آمنوا، وعملوا فالعمر
الساقط؛ والمراد به هنا اليمين التي لا يقصدها الحالف، كقول: «لا واللَّهِ»؛ «بلى والله» في عرض حديثه؛ ويبين ذلك قوله تعالى في سورة المائدة: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} [المائدة: ٨٩] أي نويتم عقده؛ و «الأيمان» جمع يمين؛ وهو القسم؛ والقسم: تأكيد الشيء بذكر معظَّم بصيغة مخصوصة - هي الواو، والباء، والتاء -؛ مثل: «والله»، و «بالله»، و «تالله».
قوله تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم}، يفسره قوله تعالى: {بما عقدتم الأيمان} [المائدة: ٨٩].

قوله تعالى: {والله غفور حليم}؛ لما ذكر اللغو من اليمين، والمنعقد منهما ختم الآية بهذين الاسمين الكريمين؛ وسبق معنى «الغفور»؛ و «الحليم» هو الذي يؤخر العقوبة عن مستحقها.

الفوائد:

١ - من فوائد الآية: عدم مؤاخذة العبد بما لم يقصده في لفظه؛ وهذه الفائدة قاعدة عظيمة يترتب عليها مسائل كثيرة؛ منها لو جرى لفظ الطلاق على لسانه بغير قصد لم تطلق امرأته؛ ولو طلق في حال غضب شديد لم تطلق امرأته؛ ولو قال كفراً في حال فرح شديد لم يكفر، كما في حديث: «للَّهُ أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم ... » (¬١) الحديث؛ ولو أكره على كلمة الكفر
---------------
(¬١) أخرجه البخاري ص ٥٣١، كتاب الدعوات، باب ٤: التوبة، حديث رقم ٦٣٠٨، وأخرجه مسلم ص ١١٥٣، كتاب التوبة، باب ١: في الحض على التوبة ... ، حديث رقم ٦٩٥٣ [٢] ٢٦٧٥.

الصفحة 93