كتاب تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (اسم الجزء: 1)

محدود، وينتهي؛ لكن الجزاء لا ينتهي أبداً؛ هم مخلدون فيه أبد الآباد؛ كذلك أيضاً الأعمال التي يقدمونها قد يشوبها كسل؛ قد يشوبها تعب؛ قد يشوبها أشياء تنقصها، لكن إذا منّ الله عليه، فدخل الجنة فالنعيم كامل ...
٤ ومنها: أن الجنات أنواع؛ لقوله تعالى: {جنات}؛ وقد دل على ذلك القرآن، والسنة؛ فقال الله تعالى: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} [الرحمن: ٤٦]، ثم قال تعالى: {ومن دونهما جنتان} [الرحمن: ٦٢]؛ وقال النبي صلى الله عليه وسلم "جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما؛ وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما (¬١) " ..

. ٥ ومنها: تمام قدرة الله عزّ وجلّ بخلق هذه الأنهار بغير سبب معلوم، بخلاف أنهار الدنيا؛ لأن أنهار الماء في الدنيا معروفة أسبابها؛ وليس في الدنيا أنهار من لبن، ولا من عسل، ولا من خمر؛ وقد جاء في الأثر (¬٢) أنها أنهار تجري من غير أخدود. يعني لم يحفر لها حفر، ولا يقام لها أعضاد تمنعها؛ بل النهر يجري، ويتصرف فيه الإنسان بما شاء. يوجهه حيث شاء؛ قال ابن القيم رحمه الله في النونية:.

(أنهارها في غير أخدود جرت سبحان ممسكها عن الفيضان)
---------------
(¬١) أخرجه البخاري ص ٤١٧، كتاب التفسير، سورة الرحمن، باب ١: قوله: (ومن دونهما جنتان .. )، حديث رقم ٤٨٧٨؛ وأخرجه مسلم ص ٧٠٩، كتاب الإيمان، باب ٨٠: إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى، حديث رقم ٤٤٨ [٢٩٦] ١٨٠.
(¬٢) أخرج الطبري هذا الأثر في تفسيره عن مسروق ١/ ٣٨٤، رقم ٥٠٩، ٥١٠، ٥١١؛ ورجاله ثقات.
فقالها وقلبه مطمئن بالإيمان لم يكفر؛ وأمثلتها كثيرة.

٢ - ومن فوائد الآية: أن المدار على ما في القلوب؛ لقوله تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم}.

٣ - ومنها: أن للقلوب كسباً، كما للجوارح؛ فأما ما حدَّث به الإنسان نفسه دون اطمئنان إليه فإنه لا يؤاخذ به؛ لأنه ليس بعمل؛ ولهذا جاء في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم» (¬١).

٤ - ومنها: إثبات هذين الاسمين الكريمين؛ وهما «الغفور»، و «الحليم»؛ وما تضمناه من وصف، وحكم.
٥ - ومنها: الإشارة إلى أن من مغفرة الله وحلمه أن أسقط المؤاخذة باللغو في الأيمان.

٦ - ومنها: أن لا نيأس من رحمة الله؛ لأنه غفور؛ وأن لا نأمن مكر الله؛ لأنه حليم؛ فيكون العبد سائراً إلى الله بين الرجاء والخوف.

القرآن

(لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (البقرة: ٢٢٦)) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة: ٢٢٧)
---------------
(¬١) أخرجه البخاري في ٤٥٥، كتاب الطلاق، باب ١١: الطلاق في الإغلاق والكره ... ، حديث رقم ٥٢٦٩، وأخرجه مسلم ص ٦٩٩، كتاب الإيمان، باب ٥٨: تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب إذا لم تستقر، حديث رقم ٣٣١ [٢٠١] ١٢٧.

الصفحة 94