كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 1)

"""""" صفحة رقم 19 """"""
لما رأى أبو عبد الله تزلزل الرواة فيه توقف فيه ، وقد روى قبل موته بشهر وروى بشهرين وروى بأربعين يوماً وروى بثلاثة أيام ، وروى من غير تقييد بمدة وهي رواية الأكثر ، وهذا الاضطراب في المتن ، وأجيب عنه أيضاً بأن أخبار الدباغ أصح إسناداً وأكثر رواة فهي أقوى وأولى ، وبأنه عام في النهي ، وأخبار الدباغ مخصصة للنهي بما قبل الدباغ مصرحة بجواز الانتفاع بعد الدباغ ، والخاص مقدم على العام عند التعارض ، وبأن الإهاب في اللغة هو الجلد قبل أن يدبغ ولا يسمى بعده إهاباً كذا قاله الخليل بن أحمد ، والنضر بن شميل ، وأبو داود السجستاني ، وكذا قاله الجوهري ، وآخرون من أهل اللغة ، وهذا من القول بالموجب.
فإن قالوا : هذا الخبر متأخر فيقدم ويكون ناسخاً ، فالجواب من أوجه : أحدها لا نسلم تأخره عن أخبار الدباغ لأنها مطلقة فيجوز أن يكون بعضها قبل وفاته صلى الله عليه وسلّم بدون شهرين وشهر ) الثاني أنه روى قبل موته بشهر وروى بشهرين وروى بأربعين يوماً ، وكثير من الروايات ليس فيها تاريخ ، وكذا هو في رواية أبي داود فحصل فيه نوع اضطراب فلم يبقى تاريخ يعتمد. الثالث : لو سلم تأخره لم يكن فيه دليل لأنه عام وأخبار الدباغ خاصة والخاص مقدم على العام سواء تقدم أو تأخر كما هو معروف عند الجماهير من أهل أصول الفقه
وأما الجواب : عن قياسهم على اللحم فمن وجهين : أحدهما أنه قياس في مقابلة نصوص فلا يلتفت إليه. والثاني : أن الدباغ في اللحم لا يتأتى وليس فيه مصلحة له بل يمحقه بخلاف الجلد فإنه ينطفه ويطيبه ويصلبه ، وبهذين الجوابين يجاب عن قولهم : العلة في التنجيس الموت وهو قائم واحتج أصحاب المذهب الثاني بما رواه أبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، والحاكم ، وغيرهم بأسانيد صحيحة عن أبي المليح عامر بن أسامة عن أبيه رضي الله عنه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم نهى عن جلود السباع ) وفي رواية للترمذي : ( نهى عن جلود السباع أن تفترش ) قالوا : فلو كانت تطهر بالدباغ لم ينه عن افتراشها مطلقاً ، وبحديث سلمة بن المحبق السابق : ( دباغها ذكاتها ) قالوا : وذكاة ما لا يؤكل لا تطهره ، قالوا : ولأنه حيوان لا يؤكل فلم يطهر جلده بالدبغ كالكلب ، وأجاب أصحابنا بالتمسك بعموم ( أيما إهاب ) و ( إذا دبغ الإهاب ) وأن يستمتع بجلود الميتة إذا دبغت فإنها عامة في كل جلد ، قالوا :
وأما الجواب : عن حديث النهي عن جلود السباع فمحمول على ما قبل الدباغ
فإن قيل : لا معنى لتخصيص السباع حينئذ بل كل الجلود في ذلك سواء
فالجواب : أنها خصت بالذكر لأنها كانت تستعمل قبل الدباغ غالباً أو كثيراً ، وأما حديث سلمة فمعناه أن دباغ الأديم مطهر له ومبيح لاستعماله كالذكاة فيما يؤكل ، وأما قياسهم على الكلب فجوابه الفرق بأنه نجس في حياته فلا يزيد الدباغ على الحياة.
واحتج أصحاب المذهب الرابع ، والخامس ، والسادس بعموم أحاديث الدباغ ، وأجاب الأولون عنها بأنها خص منها الكلب ، والخنزير للمعنى المذكور وهو أنهما نجسان في

الصفحة 19