كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 1)

"""""" صفحة رقم 20 """"""
الحياة فلا يزيد الدباغ عليها ؛ واحتج أصحاب المذهب السابع برواية وردت في حديث ابن عباس ( هلا أخذتم إهابها فانتفعتم به ؟ ) ولم يذكر الدباغ ، وأجاب الأولون بأن هذه الرواية مطلقة فتحمل على الروايات المقيدة لما تقرر في أصول الفقه من حمل المطلق على المقيد.
إذا تقرر ذلك فتعود إلى مسألتنا فنقول : من ذهب إلى أن الشعر لا ينجس بالموت بل هو باق على طهارته وهم أكثر الأئمة كما تقدم فلا إشكال على مذهبه ، وكذا من ذهب إلى أنه ينجس بالموت ويطهر بالغسل ، وأما من قال : بنجاسته بالموت وأنه لا يطهر بالغسل وهو الشافعي رضي الله عنه في أول قوليه وهو المشهور من مذهبه فهل يطهر الشعر عنده بالدباغ تبعاً للجلد أولاً ؟ فيه قولان مشهور أن عن الشافعي ، قال صاحب المهذب : فان دبغ جلد الميتة وعليه شعر قال في الأم : لا يطهر الشعر لأن الدباغ لا يؤثر فيه ، وروى الربيع بن سليمان الجيزي عنه أنه يطهر لأنه شعر نابت على جلد فهو كالجلد في الطهارة كشعر الحيوان في حال الحياة ، قال النووي في شرح المهذب : هذان القولان للشافعي مشهوران وأصحهما عند الجمهوري نصه في الأم أنه لا يطهر ، وممن صححه من المصنفين أبو القاسم الصيمري ، والشيخ أبو محمد الجويني ، والبغوي ، والشاشي ، والرافعي وقطع به الجرجاني في التحرير قال : وصحح الأسناد أبو إسحاق الإسفراييني ، والروياني ، طهارته قال الروياني : لأن الصحابة في زمن عمر رضي الله عنه قسموا الفراء المغنومة من الفرس وهي ذبائح مجوس ، واستدل من صحح القول الأول بحديث أسامة السابق ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم نهى عن جلود السباع ) وروى أبو داود ، والنسائي بإسناد حسن عن المقدام بن معدى كرب أنه قال لمعاوية : أنشدك بالله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم نهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها ؟ قال : نعم ، وروى أبو داود عن معاوية أنه قال لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم : هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم نهى عن ركوب جلود النمور ؟ قالوا : نعم ، قال الأصحاب : يستدل بهذه الأحاديث على أن الشعر لا يطهر بالدباغ لأن النهي متناول لما بعد الدباغ ، وحيث لا يجوز أن يكون النهي عائداً إلى نفس الجلد فإنه طاهر بالدباغ بالدلائل السابقة فهو عائد إلى الشعر ، هذا ما في شرح المهذب ، وأقول : الذي يترجح عندي بالنظر في الأدلة ما رجحه الإسفراييني ، والروياني من طهارة الشعر بالدباغ. وقد رجحه أيضاً العبادي وقال : عليه تدل الآثار ، وصححه من المتأخرين ابن أبي عصرون في المرشد لعموم البلوى به. والشيخ تقي الدين السبكي قال ولده في التوشيح : صحح ابن أبي عصرون طهارة الشعر بالدباغ قال الوالد في مجاميعه : وهو الذي اختاره وأفتى به للحديث ، وقال صاحب الخادم : قال بعضهم : كأنه يعني البلقينى هو المختار من جهة الدليل لا سيما وقد قيل : إن الشعر لا ينجس بالموت ، قلت : ومن الأدلة على ما اخترته ما أخرجه مسلم في صحيحه من طريق أبي الخير مرثد بن عبد الله اليزني قال : رأيت على ابن أبي وعلة السبائي فرواً

الصفحة 20