"""""" صفحة رقم 23 """"""
إطلاق الأحاديث السابقة في دباغ إهاب الشاة فإنه لو كان الشعر لا يطهر بالدباغ لبين لهم ذلك وقال: انزعوا اشعرها وادبغوا الجلد وانتفعوا به وحده لأنه محل بيان، وتأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز فلما أطلق ولم يفصل دل على أن الشعر يطهر بالدباغ تبعاً للجلد، ومما يستدل به لذلك قوله تعالى:) والله جعل لكم من بيوتكم سكناً وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتاً تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين (وقول الأصحاب: إن هذه الآية محمولة على شعر المأكول إذا ذكي وأخذ في حياته يجاب عنه بأن الآية خوطب بها المشركون من أهل مكة ولهذا قيل في أواخر تعداد النعم:) كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون (وقد كان المشركون يذبحون للأصنام، وكان النبي صلى الله عليه وسلّم قبل البعثة يتوقف في أكل ذبائحهم فكانت ذبائحهم ميتة، وقد وردت الآية امتناناً عليهم بالانتفاع بشعورها فدل على أن الدباغ طهرها، وقول بعض الفقهاء: إن (من) في الآية للتبعيض والمراد البعض الطاهر ينازع فيه بأن (من) هذه ليست هي التبعيضة بل هي التجريدية كما يفهمه من له خبرة بعلم البيان، وكذلك هي في الجملتين الأوليين في الآية فهي كالمثال الذي يمثل يه أرباب البيان وهو قولهم لي مني فلان صديق حميم أي أن فلاناً نفسه صديق حميم وليس المراد أن بعضه صديق، وهذا معروف يسمى بالتجريد عند علماء البلاغة، استدلال آخر، قال بعض المجتهدين: يمكن أن يستدل لطهارة الشعر بالدباغ بنفس الحديث وهو قوله: (إذا دبغ الإهاب فقد طهر) لأن اسم الإهاب ينطلق على الجلد بشعره فيقال: هذا إهاب الميتة ولا يلزم أن يقال: هذا إهابها وشعرها، وإذا انطلق الإسم عليه حصلت الطهارة، قال: ومما يؤيده حديث أبي الخير قال: (رأيت على ابن وعلة فرواً فكلمته فيه فقال: سألت عبد الله بن عباس فقلت: انا نكون بأرض المغرب ومعنا البربر والمجوس نؤتي بالكبش قد ذبحوه ونحن لا نأكل ذبائحهم ونؤتي بالسقاء يجعلون فيه الودك فقال ابن عباس: (قد سألنا النبي صلى الله عليه وسلّم عن ذلك فقال: (دباغه طهوره) وحديث ثابت البناني قال: (كنت سابع سبعة مع عبد الرحمن بن أبي ليلى في المسجد فأتى شيخ ذو ضفرتين فقال: يا أبا عيسى حدثني حديث أبيك في الفراء فقال: حدثني أبي فقال: كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلّم فأتاه رجل فقال: يا رسول الله انصلي في الفراء؟ قال: فأين الدبغ؟ فلما ولى قلت: من هذا؟ قال: هذا سويد بن غفلة، قال: (هذا المجتهد المذكور)، ويمكن أن يستدل بالحديث على عدم نجاسة الشعور أصلاً ورأساً بأن يجعل دليلاً على مقدمة في الدليل، وطريقة أن يقال: لو نجس الشعر بالموت لكان طاهراً بعد الدباغ لكن كان طاهراً قبل الدباغ فلا ينجس بالموت، بيان الملازمة أن الدباغ إنما يفيد الطهارة في ماله أثر ولا أثر للدباغ في الشعر فلا يفيد الطهارة، وبيان أنه طاهر بعد الدباغ أن اسم الإهاب يطلق عليه بالشعر المتصل به فيقال: هذا إهاب الشاة مثلاً ولا يلزم أن يقال: هذا إهابها وشعرها فدل ذلك على إطلاق اسم الإهاب على الجلد بشعره، وإذا انطلق عليه