كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 1)

"""""" صفحة رقم 25 """"""
دقيق العيد في الترجيح مسلكاً آخر فقال : نهيه عليه السلام عن افتراش جلود السباع مخصوص بالاتفاق. وقوله عليه السلام : ( أيما إهاب دبغ فقد طهر ) غير مخصوص بالاتفاق فيرجح العمل به على معارضة ، وهذا كلام ابن دقيق العيد ، ومسلك آخر في الجواب وهو انا نمنع عن كون النهي عن جلود السباع لأجل شعرها بل لمعنى آخر أشار إليه الخطابي وهو أنها إنما نهى عنها من أجل أنها مراكب أهل السرف والخيلاء ، وتمام ذلك أن يقال : إنها من صنع الأعاجم وقد صحت الأحاديث بالنهي عن التشبه بزي الأعاجم أي الفرس ، ويؤيد ذلك أمران. أحدهما أن النهي مطلق ولو كان لأجل نجاسة الشعر لكان يزول بنتفه ولا شك أن الحديث شامل للحالتين ، والثاني أنه لو كان لأجل نجاسة الشعر لم يكن لتخصيص السباع بالذكر فائدة فإن الغنم وسائر الحيوانات كانت تساوي السباع في ذلك ، فلو لم يكن ذلك لمعنى آخر غير النجاسة لم يكن لتخصيص السباع بالذكر فائدة ، وأمر ثالث وهو أن أبا داود روى في سننه من حديث معاوية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( لا تركبوا الخز والنمار ) فقرأ الخز بالنمار في هذا الحديث دليل على أن النهي فيه للسرف والخيلاء لا للنجاسة ، وكذلك ما رواه أحمد ، وابن ماجه من حديث عبد الله بن عمر قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن الميثرة والقسية وحلقة الذهب والمقدم ) ، قال يزيد : الميثرة جلود السباع ، والقسية ثياب مضلعة من إبريسم ، والمقدم المشبع بالعصفر ؛ وروى الطبراني في الكبير عن ثوبان قال : حرم رسول الله صلى الله عليه وسلّم التختم بالذهب ، والقسية ، وثياب المعصفر ، والمقدم ، والنمور ، وفقر أن جلد السباع والنمور بهذه الأشياء في هذين الحديثين دليل على أن النهي فيه للسرف والخيلاء لا للنجاسة ؛ وروى أبو داود أيضاً عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( لا تصحب الملائكة رفقة فيها جلد نمر ) وهذا أيضاً يدل على أن النهي للخيلاء لا للنجاسة لأن الجلد النجس لا يحرم اقتناؤه إنما يحرم لبسه وأستعماله في الأشياء الرطبة ، والحديث دل على ذم اقتنائه مطلقاً فعرف أن المعنى فيه للخيلاء كأواني النقدين حرمت للخيلاء فحرم اقتناؤها ، وأمر آخر وهو أنه لو كان النهي لنجاسة الشعر لم يكن يمتنع إلا الجلوس على الوجه الذي فيه الشعر خاصة ، ولو قلبه وجلس على الوجه الذي لا شعر فيه لم يمتنع لأن ذلك الوجه من الجلد قد طهر بالدباغ قطعاً ، ولا شك أن النهي شامل للوجهين معاً كما هو ظاهر الأحاديث السابقة. وعند ابن أبي شيبة في مسنده من حديث معاوية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( لا تجلسوا على جلود السباع ) وعند الحارث بن أبي أسامة في مسنده عن سمرة بن جندب ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم نهى عن أن تفترش مسوك السباع )

الصفحة 25