"""""" صفحة رقم 26 """"""
فهذه إطلاقات شاملة للجلد بوجهيه فدل على أن ذلك لمعنى السرف والخيلاء لا للنجاسة، وأيضاً فلم يذكر الفقهاء أنه يحرم الجلوس على جلد الميتة النجس إنما ذكروا تحريم لبسه، ولحاق الافتراش به قد لايسلم، والأحاديث صريحة في النهي عن افتراش جلود السباع، والجلوس عليها والركوب عليها، فدل ذلك على أنه لمعنى أخر غير النجاسة؛
فإن قلت: فقد قال سعيد بن منصور في سنته: ثنا عبد الرحمن بن زياد عن شعبة عن عبد الملك بن ميسرة عن زيد بن وهب قال: أتاهم كتاب عمر بن الخطاب وهم في بعض المغازي بلغني أنكم في أرض تأكلون طعاماً يقال له: الجبن فانظروا ما حلاله من حرامه، وتلبسون الفراء فانظروا ذكيه من ميته؛ فالجواب عنه من ثلاثة أوجه: أحدها أن اسناده ضعيف، والثاني أنه معارض بما تقدم عن عمر في الجبن والفراء أيضاً، فقد تقدم أن البيهقي أخرج من طريق أبي وائل عن عمر بن الخطاب أنه قال في الفراء: ذكاته دباغه، الثالث أن هذا من عمر ليس قولاً بأن الشعر لا يطهر بالدباغ ويطهر به الجلد وإنما هو مبني على قوله: بأن الدباغ لا يطهر الجلد أصلاً ورأساً، وقد تقدم أنه مذهب له فكان له في المسألة قولان: أحدهما أن الدباغ يطهر الجلد والشعر معاً، والآخر أنه لا يطهر لا الجلد ولا الشعر، فكل رواية محمولة على قول من قوليه.
فهذا ما أدانا إليه النظر والاجتهاد في هذه المسألة فأجبنا به على حسب ما التمس السائل وقد سمينا هذا الكتاب (تحفة الأنجاب بمسألة السنجاب) وكان إملاؤه يوم الاثنين سابع محرم سنة تسعين وثمانمائة والله أعلم.
باب التيمم
مسألة: تراب المسجد إذا تيمم به شخص وقلتم: إنه لا يجوز هل يستبيح به ما نواه أو يكون ذلك كاستعمال الدار المغصوبة، والثوب الحرير ونحو ذلك أولا؟ وما الفرق بين ما لو تيمم قبل الاستنجاء فإنه لا يجزىء ولو كان بدنه نجاسة فإنه يجزىء؟.
الجواب: نعم يستبيح ما نواه كالوضوء بماء مغصوب، والتيمم بتراب مغصوب، وكذلك الوضوء بالماء المسبل للشرب صحيح مع تحريمه، وأما المسألة الأخيرة فقد فرق الأصحاب بفروق منها أن نجاسة محل النجو ناقضة للطهارة موجبة للتيمم فلم يصح التيمم مع وجودها بخلاف غيرها، كذا فرق الداركي وتبعه صاحب المهذب وأقره النووي في شرحه، ومنها أن نجاسة غير الاستنجاء لا تزول إلا بالماء، فلو قلنا: لايصح تيممه حتى يزيلها لتعذر عليه الصلاة إن لم يجد الماء بخلاف الاستنجاء لأنه يرتفع حكمه بالحجر فيمكنه تقديم الحجر حتى يصح تيممه فلزمه، كذلك فرق المتولي في التتمة، قال صاحب الوافي: وهذا فرق دقيق نفيس.
مسألة: لو تيمم في موضع الغالب فيه عدم الماء، ثم انتقل إلى موضع الغالب فيه وجود