"""""" صفحة رقم 270 """"""
الخطب ظاهر جلي لأنها [خطب] اشتهرت على رؤوس المنابر، وذكرت في جمع المسلمين وجموعهم، وتكررت على أسماع كثير من العلماء والأئمة الأكابر، فالاحتجاج بها على مثل ذلك جلي ظاهر. وقال القاضي الإمام ناصر الدين ابن المنير في خطبه المشهورة مع اشتهاره بالعلوم الدينية والأدبية وتقدمه وتبحره في ذلك وسيادته فقال في خطبة: كيف بك إذا جئت وأنت لجميع ما خلفت فاقد وجاءت كل نفس معها سائق وشاهد،. وقال في أخرى: الحمد لله الذي يدافع عن الذين آمنوا ويكافىء بالحسنى والزيادة الذين أحسنوا. وقال في أخرى: بل هو الفرد الصمد الواحد الأحد يسمع النجوى ويعلم السر وأخفى وهو تعالى أينما كنا معنا. وقال في أخرى: ف الله الله عباد الله شمروا الذيل فإن السيل قد بلغ الزبي فحلوا الحبا وسلوا الظبا وأعدوا لعدوكم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبونهم به رهباً.
قال: والاستدلال بهذه الخطب على نحو ماتقدم في تلك وتزيد هذه بوفور علم من نسبت إليه وتقدمه في العلوم الشرعية عليه. وإنما ذكرت هذه من هذين لشهرتهما وكثرة دور خطبهما بين الناس وكثرتهما، وإلا فكلام العلماء والفصحاء في هذا المنهاج متسع وكثير، وسلوك أرباب العلوم والآداب في ذلك معلوم وشهير.
وقال الحريري في المقامة الثانية الحلوانية: فلم يك إلا كلمح البصر أو هو أقرب حتى أنشد فأغرب، وقال في الخامسة الكوفية: فهل سمعتم يا أولى الألباب بأعجب من هذا العجاب؟ فقلنا: لا ومن عنده علم الكتاب. وقال في السادسة: لقد جئتم شيئاً إداً وجرتم عن القصد جداً. وقال فيها أيضاً: فإن كنت صدعت عن وصفك باليقين فأت بآية إن كنت من الصادقين. وقال في الاسكندرية: واصبر على كيد الزمان ومره فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده. وقال في الرجبية: كلا ساء ما تتوهمون ثم كلا سوف تعلمون. وقال في الميافارقية:
ولا سما يفتح مستصعبا
مستغلق الباب منيعاً مهيب
إلا ونودي حين يسموله
نصر من الله وفتح قريب
وقال في البغدادية: فعاهدني أن لا أفوه بما اعتمد ما دمت حلاً بهذا البلد. وقال في الملطية: فقال افعل لئلا يرتاب المبطلون ويظنوا بي الظنون، ومثل ذلك ونظائره كثير جداً، والقصد التنبيه على ما ذكر ليعلم الناظر أنه أمر ظاهر مشهور معلوم والاستشهاد بما في المقامات لكثرة دورها بين الناس واشتهارها واطلاع علماء الإسلام على ما فيها وقراءتها وإقرائها وحفظها وشرحها والاعتناء بها يوضح صحة الاستشهاد بما فيها على ما ذكروها. أنا أذكر جملة دالة على صحة ذلك مؤكدة لما نحن بسبيله مما ذكره الأئمة وعلماء البلاغة وفرسان اللسان والذين يرجع إليهم في مثل هذا الشأن، ليعلم أن ذلك عندهم معلوم السبيل علماً جزماً، وأنه مشهور بينهم نثراً ونظماً، وأنشد القاضي أبو بكر الباقلاني في ذلك جملة في كتاب الإعجاز له. وأنشد الإمام أبو بكر الطرطوشي في كتاب الفوائد له قال: أنشدني