كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 1)

"""""" صفحة رقم 293 """"""
والكبار معاً في التعارف هذا لفظه ، وهذا قول آخر فرق فيه بين اللغة والعرف ، والأول أصح لأن القرآن ناطق بإطلاق الذرية على الكبار والصغار [ معاً ] في قوله تعالى : ) ذرية من حملنا مع نوح ( وقوله : ) قال ومن ذريتي ( وقوله : ) ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ( فدل ذلك على أن إطلاقه عليهما من حيث اللغة أيضاً ، وقال تعالى : ) إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض ( وقال جماعة : الذرية تطلق على الأولاد وعلى الآباء أيضاً ، قال صاحب نظم القرآن [ وغيره ] الذرية تقال للواحد والجمع وللأصل والنسل ومنه قوله تعالى : ) وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون ( أي آباءهم ، قال الزملكاني في أسرار التنزيل : الذرية كما تطلق على الأولاد تطلق على الآباء لأن الأب ذرىء من الولد أي خلق فكان ذرية لولده كما أن الولد ذريء من أبيه قال : ومن استعمالها في الآباء قوله تعالى : ) وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون ( أي آباءهم ، قال : ومنه قوله تعالى : ) ذرية بعضها من بعض ( جعل آدم ومن ذكر معه ذرية للأنبياء انتهى.
مسألة : ما صرح الفقهاء فيه بأنه حرام استناداً لما نطق القرآن فيه بالحرمة كآية ) حرمت عليكم أمهاتكم ( ) حرمت عليكم الميتة ( إلى غير ذلك هل الحرمة فيه لعينه أم لمعنى آخر ؟ حكوا في ذلك خلافاً وحينئذ فالقائل بأن المحرم معين هل يقول : أن حد الحكم بأنه خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين إلى آخره قيد الأفعال فيه لا مفهوم له أو معتبر لا بد منه لإخراج ما احترزوا عنه به مما لا يسمى حكماً ، وحينئذ فكيف معلق الحكم بالعين كما ذهب إليه من ذهب ؟.
الجواب : الخلاف في أن التحريم والتحليل هل هما من صفات الأفعال أو من صفات الأعيان شهير حكاه خلائق منهم القاضي أبو بكر الباقلاني في التقريب ، وحكاه من المتأخرين السبكي. وزيف القول الثاني جداً حتى قال : إنه قال به من لا تحقيق عنده ، وحكاه ولده الشيخ تاج الدين وقال : إن القول بأنهما من صفات الأفعال أصلنا ، والقول بأنهما من صفات الأعيان قول بعض المعتزلة : وهو قول باطل هذه عبارته وذكر والده أن فائدة الخلاف تظهر في فروع فقهية منها ما لو كان بيد شخص مال مغصوب فأعطاه الآخر وهما جاهلان بالغصب ظانان أنه ملكه. فإن قلنا : التحريم من صفات الأفعال لم يوصف هذا المال بأنه حرام. وإن قلنا : من صفات الأعيان وصف به ، ومنها قتل الخطأ يوصف بالتحريم على قول الأعيان دون الأفعال ، وذكر ولده الشيخ تاج الدين له فوائد أصولية ، منها أن نحو : ) حرمت عليكم أمهاتكم ( لا إجمال فيه قطعاً على قول الأعيان ويجري فيه الخلاف على قول الأفعال. وأما حد الحكم المذكور فإنه ماش على القول الصواب دون القول المزيف. ومن يقول بالمزيف يحتاج في الحد إلى عبارة تناسب مذهبه هذا آخر الجواب ، ثم إن قول السائل هل الحرمة فيه لعينه أم لمعنى آخر ؟ عبارة ملبسة فإن لنا مسألتين ، مسألة تعلق الحكم بالأفعال أو بالأعيان ، وهذه مطردة في كل تحريم وتحليل ،

الصفحة 293