"""""" صفحة رقم 316 """"""
عنده فنزلت:) وما لأحد عنده من نعمة تجزى (قال الآجري: هذا وما قدمناه من الأحاديث يدل على أن الله خص أبا بكر بأشياء فضله بها على جميع الصحابة رضي الله تعالى عنهم) فهذا ما يتعلق بنزول الآية (وهو من علم الحديث، ويأتي في الفصل بعد هذا ما يتعلق بها من العلوم الأربعة: التفسير، والكلام، وأصول الفقه، والنحو، وقد تواردت خلائق من المفسرين لا يحصون على أنها نزلت في حق أبي بكر رضي الله عنه، وكذا أصحاب الكتب المؤلفة في المبهمات.
الفصل الثاني: في تضعيف ما أفتى به الجوجري وذلك من أربعة وجوه: ثلاثة جدلية، وواحد من طريق التحقيق. فأما الثلاثة الأولى فأحدها: أن نقول لا شك أنه لو جاز لأحد أن يفتي في مسألة بمجرد نظره لها في كتاب أو كتابين من غير أن يكون متقناً لذلك الفن بجميع أطرافه ماهراً فيه متبحراً فيه لجاز لآحاد الطلبة أن يفتوا بل العوام. والسوقة لا يعدم أحد منهم أن يكون عارفاً بعدة من المسائل تعلمها من عالم أو رآها في كتاب، ولا ريب في أنه لا يجوز لأحد منهم أن يفتي، وقد نص العلماء على أن العامي لو تعلم مسائل وعرفها لم يكن له أن يفتي بها إنما يفتى المتبحر في العلم العارف بتنزيل الوقائع الجزئية على الكليات المقررة في الكتب، وما شرطوا في المفتي أن يكون مجتهداً إلا لهذا المعنى وأمثاله، والمدار الآن على التبحر فمن تبحر في فن أفتى به وليس له أن يتعدى إلى فن لم يتبحر فيه ويطلق قلمه فيه وهو لم يقف على متفرقات كلام أرباب ذلك الفن فلعله يعتمد على مقالة مرجوحة وهو يظنها عندهم صحيحة، وهذه المسألة من ذلك كما سنبينه، وكذلك ليس لأحد أن يفتي في العربية وقصارى أمره النظر في ابن المصنف، والتوضيح ونحو ذلك، بل حتى يحيط بالفن خبرة ويقف على غرائبه وغوامضه ونوادره فضلا عن ظواهره ومشاهيره. وما مثل من يفتي في النحو وقصارى أمره ما ذكر إلا مثل من قرأ المنهاج واقتصر عليه وأراد أن يفتي في الفقه، فلو جاءته مسألة من الروضة مثلاً فإن كان ديناً قال: هذه لم أقف عليها وإن كان غير ذلك أنكرها بالكلية وقال: هذا شيء لم يقله أحد بل ولا والله لا يكتفي في إباحة الفتوى بحفظ الروضة وحدها فماذا يصنع في المسائل التي اختلف فيها الترجيح؟ ماذا يصنع في المسائل ذات الصور والأقسام، ولم يذكر في الروضة بقية صورها وأقسامها؟ ماذا يصنع في مسائل لها قيود ومحال تركت من الروضة وهي مفرقة في شرح المهذب وغيره من الكتب؟ ماذا يصنع في مسائل خلت عنها الروضة بالكلية بل لا بد في المفتي من أن يضم إلى الروضة حمل كتب، فإن لم ينهض إلى ذلك وعسر عليه النظر في كتب الشافعي رضي الله عنه. وأصحابه المتقدمين فلا أقل من استيعاب كتب المتأخرين، وقد قال ابن تلبان الحنفي في كتابه زلة القارىء: قال الشيخ أبو عبد الله الجرجاني في خزانة الأكمل: لا يجوز لأحد أن يفتي في هذا الباب يعني باب اللحن في القراءة إلا بعد معرفة ثلاثة أشياء: حقيقة النحو، والقراءات الشواذ، وأقاويل المتقدمين، والمتأخرين من أصحابنا في هذا الباب.