"""""" صفحة رقم 318 """"""
الوجه الثالث: أن نقول: لا شك أن المفتي حكمه حكم الطبيب ينظر في الواقعة ويذكر فيها ما يليق بها بحسب مقتضى الحال والشخص والزمان، فالمفتي طبيب الأديان وذلك طبيب الأبدان، وقد قال عمر بن عبد العزيز: يحدث للناس أحكام بحسب ما أحدثوا من الفجور قال السبكي: ليس مراده أن الأحكام الشرعية تتغير بتغير الزمان بل بإختلاف الصور الحادثة فإنه قد يحصل بمجموع أمور حكم لا يحصل لكل واحد منها، فإذا حدثت صورة على صفة خاصة علينا أن ننظر فيها فقد يكون مجموعها يقتضي الشرع له حكماً خاصاً، هذا كلام السبكي قرره في كتاب ألفه في شأن رافضي حكم بقتله وسماه غيره الإيمان الجلي لأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي وقال السبكي أيضاً في فتاويه ما معناه: يوجد في فتاوي المتقدمين من أصحابنا أشياء لا يمكن الحكم عليها بأنها المذهب في كل صورة لأنها وردت على وقائع، فلعلهم رأوا أن تلك الوقائع يستحق أن يفتي بها بذلك ولا يلزم اطراد ذلك واستمراره، وهذه الواقعة المسؤول عنها تتعلق برافضي وليته رافضي فقط بل زنديق جاهل من كبار الجهلة، ولقد اجتمعت به مرة فرأيت منه العجب من إنكاره الاحتجاج بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم ورد أقواله الشريفة ويقول لعنه الله وفض فاه: النبي واسطي ما قاله وهو في القرآن فصحيح وما قاله وليس في القرآن وذكر كلمة لا أستطيع ذكرها فرجعت من عنده ولم أجتمع به إلى الآن وألفت مؤلفاً سميته مفتاح الجنة في الاعتصام بالسنة وكان من جملة أقواله في ذلك المجلس: علي عنده العلم والشجاعة، وأبو بكر ليس عنده ذلك، وإنما زوجه بابنته وأنفق عليه ماله فكافأه بالخلافة بعده، فقلت له: وردت الأحاديث بأن أبا بكر أعلم الصحابة وأشجعهم؟ فقال: هذه الأحاديث كذب، ثم أعاد الآن الكلام في ذلك مع خاير بك وطلب منه الاستدلال على أفضلية أبي بكر بآية من القرآن لأنه لا يرى الحديث حجة فذكر له خاير بك هذه الآية ولم يقلها من عند نفسه بل رآها في بعض كتب الكلام فذكرها، فكان لا يليق بالجوجري في مثل هذه الواقعة أن يفتي بأن الآية ليست خاصة بأبي بكر ولا دالة على أفضليته فيؤيد مقالة الرافضي ويثبته على معتقده الخبيث ويدحض حجة قررها أئمة كل فرد منهم أعلم بالتفسير والكلام وأصول الفقه من مائة ألف من مثل الجوجري، والله لو كان هذا القول في الآية هو المرجوح لكان اللائق في مثل هذه الواقعة أن يفتى به فكيف وهو الراجح والذي أفتى به الجوجري قول مرجوح، هذه الوجوه الثلاثة الجدلية.
وأما الوجه الذي يرد به عليه من جهة التحقيق فأقول: قال البغوي في معالم التنزيل: يريد بالأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى يطلب أن يكون عند الله زكياً لارياء ولا سمعة يعني أبا بكر الصديق في قول الجميع. وقال ابن الخازن في تفسيره: الأتقى هنا أبو بكر الصديق