كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 1)

"""""" صفحة رقم 319 """"""
في قول جميع المفسرين. وقال الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره: أجمع المفسرون هنا على أن المراد بالأتقى أبو بكر، وذهبت الشيعة إلى أن المراد به علي. فانظر إلى نقل هؤلاء الأئمة الثلاثة. إجماع المفسرين على أن المراد بالأتقى أبو بكر لا كل تقي. وقال الأصبهاني في تفسيره: خص الصلى بالأشقى. والتجنب بالأتقى، وقد علم أن كل شقي يصلاها وكل تقي يجنبها لا يختص بالصلى أشقى الأشقياء ولا بالنجاة أتقى الأتقياء، لأن الآية واردة في الموازنة بين حالتي عظيم من المشركين وعظيم من المؤمنين، فأريد أن يبالغ في صفتيهما المتناقضتين، فقيل الأشقى وجعل مختصاً بالصلى كأن النار لم تخلق إلا له، وقيل الأتقى وجعل مختصاً بالنجاة كأن الجنة لم تخلق إلا له انتهى.
وهذا صريح في أن المراد بالأتقى أتقى الأتقياء على الإطلاق لا مطلق التقي، وأتقى الأتقياء على الإطلاق بعد النبيين أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه. وقال النسفي في تفسيره: الأتقى الأكمل تقوى وهو صفة أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قال: ودل على فضله على جميع الأمة قال تعالى:) إن أكرمكم عند الله أتقاكم (انتهى. وقال القرطبي في تفسيره: قال ابن عباس: الأتقى أبو بكر الصديق. وقال بعض أهل المعاني: أراد بالأشقى والأتقى الشقي والتقي كقول طرفة:
تمنى رجال أن أموت وإن أمت
فتلك سبيل لست فيها بأوحد
أي واحد ووحيد فوضع أفعل موضع فعيل انتهى، وهذا الذي نقله عن بعض أهل المعاني هو الذي أفتى به الجوجري عادلاً عن قول جميع المفسرين إلى قول بعض أهل النحو قال ابن الصلاح حيث رأيت في كتب التفسير: قال أهل المعاني: فالمراد به مصنفو الكتب في معاني القرآن كالزجاج، والفراء، والأخفش، وابن الأنباري انتهى.
وكذا نقل ابن جرير في تفسيره هذه المقالة عن بعض أهل العربية ثم قال: والصحيح الذي جاءت به الآثار عن أهل التأويل أنها في أبي بكر بعتقه من أعتق من المماليك ابتغاء وجه الله. فأنت ترى هذه النقول تنادي على أن الذي أفتى به الجوجري مقالة في الآية لبعض النحويين مشى عليها بعض المصنفين في التفسير، وأن الذي وردت به الآثار وقاله المفسرون من السلف وصححه الخلف اختصاصها بأبي بكر إبقاء للصيغة على بابها هذا بيان رجحان ذلك من حيث التفسير وأما من حيث أصول الفقه. والعربية فأقول: قول الجوجري: إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فرع أن يكون في اللفظ عموم حتى يكون العبرة به والآية لا عموم فيها أصلاً ورأساً بل هي نص في الخصوص. وبيان ذلك من وجهين:
أحدهما: أن العموم إنما يستفاد في مثل هذه الصيغة من (أل) الموصولة أو التعريفية وليست (أل) هذه موصولة قطعاً لأن الأتقى أفعل تفضيل (وأل) الموصولة لا توصل بأفعل التفضيل بإجماع النحاة وإنما توصل باسم الفاعل والمفعول. وفي الصفة المشبهة خلاف، وأما أفعل التفضيل فلا توصل به بلا خلاف، وأما التعريفية فإنما تفيد العموم إذا دخلت على

الصفحة 319