كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 1)

"""""" صفحة رقم 323 """"""
وقول التلقف الروحاني الظاهر أنه الإلهام فلا يكون قولاً رابعاً، وقد سئل الإمام أبو إسحق إسماعيل البخاري الصفار عن تبليغ الوحي من جبريل إلى أنبياء الله هل سمع من الله تعالى جملة أم جاء به من اللوح المحفوظ؟ قال: كلا الوجهين جائز وذكر في تفسير سورة القدر أن الله تعالى سمع جبريل كله جملة واحدة ثم أملاه جبريل على السفرة وهم ملائكة في سماء الدنيا لكي لا يكون لهم احتياج حين أسمعهم الله تعالى القرآن. وذكر الفقيه الزاهد أبو الليث في تفسير سورة الدخان، وفي سورة الأحزاب في قوله تعالى:) ليسأل الصادقين عن صدقهم (وقال في سورة الدخان: جاء بها جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا ثم أنزل على محمد [نجوماً] نجوماً، وذكر في الدينوري أنه سمع من الله جملة ثم نزل به على محمد صلى الله عليه وسلّم متفرقاً، وقال بعضهم: جاء جبريل عليه السلام به سماعاً من إسرافيل وإسرافيل من اللوح المحفوظ جملة واحدة إلى سماء الدنيا ثم نزل به جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلّم متفرقاً، ويقال: جاء به جبريل في ليلة القدر بما يحتاج له من سنة إلى سماء الدنيا ثم نزل به على محمد متفرقاً.
وقد نظرت في الأحاديث. والآثار فوجدتها أيضاً مختلفة. وأخرج الطبراني من حديث النواس بن سمعان مرفوعاً: (إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماء رجفة شديدة فإذا سمع بذلك أهل السماء صعقوا وخروا سجداً فيكون أولهم يرفع رأسه جبريل فيكلمه الله من وحيه بما أراد فينتهي به إلى الملائكة كلما مر بسماء سأله أهلها ماذا قال ربنا؟ قال: الحق فينتهي به إلى حيث أمر) وأخرج ابن مردويه من حديث ابن مسعود رفعه: (إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السموات صلصلة فيفزعون) الحديث هذان الحديثان شاهدان للقول الثاني أن جبريل يسمع الوحي من الله تعالى. وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره، وأبو الشيخ ابن حيان في كتاب العظمة عن ابن سابط قال: (في أم الكتاب كل شيء هو كائن إلى يوم القيامة ووكل بها ثلاثة من الملائكة فوكل جبريل بالكتب والوحي إلى الأنبياء والنصر عند الحروب وبالهلكات إذا أراد الله أن يهلك قوماً ووكل ميكائيل بالقطر والنبات ووكل ملك الموت بقبض الأنفس فإذا كان يوم القيامة عارضوا بين حفظهم وبين ما كان في أم الكتاب فيجدونه سواء) فهذا شاهد للقول الثالث: أن جبريل حفظ الوحي من أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ. وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس قال: (بينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومعه جبريل يناجيه إذ أنشق أفق السماء ونزل ملك فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويخبرك بين أن تكون نبياً ملكاً أو نبياً عبداً قال فقلت: نبي عبد ففرح ذلك الملك فقلت يا جبريل: من هذا؟ قال: هذا إسرافيل خلقه الله بين يديه صافاً قدميه لا يرفع طرفه بين يديه اللوح المحفوظ فإذا أذن الله في شيء من السماء أو في الأرض ارتفع ذلك اللوح فضرب جبهته فينظر فيه فإن كان في عملي أمرني، وإن كان من عمل ميكائيل أمره به، وإن كان من عمل ملك الموت أمره به) الحديث. وأخرج ابن أبي زيد في كتاب السنة عن كعب قال: إذا

الصفحة 323