"""""" صفحة رقم 380 """"""
وقد فسر الاعتداء بالجهر في الدعاء قلت: الجواب عنه من وجهين أحدهما: أن الراجح في تفسيره أنه تجاوز المأمور به أو اختراع دعوة لا أصل لها في الشرع، ويؤيده ما أخرجه ابن ماجه، والحاكم في مستدركه وصححه عن أبي نعامة رضي الله عنه (أن عند الله بن مغفل سمع ابنه يقول: اللهم إني اسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: (سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الدعاء) فهذا تفسير صحابي وهو أعلم بالمراد الثاني: على تقدير التسليم فالآية في الدعاء لافي الذكر، والدعاء بخصوصه الأفضل فيه الإسرار لأنه أقرب إلى الإجابة ولذا قال تعالى: إذ نادى ربه نداء خفياً ومن ثم استحب الإسرار بالاستعاذة في الصلاة أتفاقاً لأنها دعاء.
فإن قلت: فقد نقل عن ابن مسعود أنه رأى قوماً يهللون برفع الصوت في المسجد فقال: ما أراكم إلا مبتدعين حتى أخرجهم من المسجد قلت هذا الأثر عن ابن مسعود يحتاج إلى بيان سنده، ومن أخرجه من الأئمة الحفاظ في كتبهم وعلى تقدير ثبوته فهو معارض بالأحاديث الكثيرة الثابتة المتقدمة وهي مقدمة عليه عند التعارض، ثم رأيت ما يقتضي إنكار ذلك عن ابن مسعود، قال الإمام أحمد بن حنبل في كتاب الزهد: ثنا حسين بن محمد ثنا المسعودي عن عامر بن شقيق عن أبي وائل قال: هؤلاء الذين يزعمون أن عبد الله كان ينهى عن الذكر ما جالست عبد الله مجلساً قط إلا ذكر الله فيه، وأخرج أحمد في الزهد عن ثابت البناني قال: إن أهل ذكر الله ليجلسون إلى ذكر الله وإن عليهم من الآثام أمثال الجبال وإنهم ليقومون من ذكر الله تعالى ما عليهم منها شيء.
45
الدر المنظم في الاسم الأعظم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي له الأسماء الحسنى والصفات العليا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المخصوص بالشفاعة العظمى، وعلى آله وصحبه ذوي المقام الأسنى وبعد فقد سئلت عن الأسم الأعظم وما ورد فيه فأردت أن اتتبع ما ورد فيه من الأحاديث والآثار والأقوال فقلت في الأسم الأعظم أقوال، الأول: أنه لا وجود له بمعنى أن أسماء الله تعالى كلها عظيمة لا يجوز تفضيل بعضها على بعض، ذهب إلى ذلك قوم منهم أبو جعفر الطبري، وأبو الحسن الأشعري، وأبو حاتم بن حبان، والقاضي أبو بكر الباقلاني، ونحوه قول مالك، وغيره: لا يجوز تفضيل بعض الأسماء على بعض، وحمل هؤلاء ما ورد من ذكر الاسم الأعظم على أن المراد به العظم، وعبارة الطبري اختلفت الآثار في تعيين الأسم الأعظم والذي عندي أن الأقوال كلها صحيحة إذ لم يرد في خبر منها أنه الأسم الأعظم ولا شيء أعظم منه فكأنه تعالى يقول: كل اسم من أسمائي يجوز وصفه بكونه أعظم فيرجع إلى معنى عظيم: وقال