"""""" صفحة رقم 39 """"""
بأن الإمام يقول ربنا لك الحمد لكنهما مستفادان من أدلة أخرى صريحة ، منها هنا ما أخرجه البخاري ، ومسلم عن أبي هريرة : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم : كان إذا قال سمع الله لمن حمده قال : ( اللهم ربنا لك الحمد ) وأخرج مسلم عن حذيفة ( أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال حين رفع رأسه : ( سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ) وأخرج البخاري مثله من رواية ابن عمر ، ومسلم مثله من رواية عبد الله بن أبي أوفى ، فثبت بهذه الأحاديث أن الإمام يجمع بين التسميع والتحميد على خلاف ظاهر هذين الحديثين ، فلم يصلح الاستدلال بهما ، على أن الإمام لا يجمع بينهما ، وإذا لم يصلح الاستدلال بهما في حق الإمام لم يصلح الاستدلال بهما في حق المأموم أيضاً كما لا يخفي.
المسلك الثاني : إذا ثبت أنه لا دلالة في هذين الحديثين على أن الإمام لا يجمع بين الذكرين ولا [ على ] أن المأموم لا يجمع بينهما ، وثبت أن التصريح بأن الإمام يجمع بينهما من أدلة أخرى دل ذلك على أن المأموم أيضاً يجمع بينهما لأن الأصل استواء الإمام والمأموم فيما يستحب من الأذكار في الصلاة كتكبيرات الانتقالات وتسبيحات الركوع والسجود.
المسلك الثالث : ثبت في صحيح البخاري من حديث مالك بن الحويرث وأن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) فهذا يدل على أن المأموم يجمع بين التسميع والتحميد لأنه أمر الأئمة بأن يصلوا كما صلى ، وقد ثبت بتلك الأحاديث أنه لما صلى قال : ( سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ) فلزم من ذلك أن كل مصل يقول ذلك فتتحق المثلية.
المسلك الرابع : نقل الطحاري ، وابن عبد البر الإجماع على أن المنفرد يجمع بينهما ، وجعله الطحاوي حجة لكون الإمام يجمع بينهما ويصلح ، جعله حجة لكون المأموم أيضاً يجمع بينهما لأن الأصل استواء الثلاثة في المشروع في الصلاة إلا ما صرح الشرع باستثنائه.
المسلك الخامس : الاستئناس بما أخرجه الدارقطني بسند ضعيف عن بريدة قال : ( قال النبي صلى الله عليه وسلّم : يا بريدة إذا رفعت رأسك من الركوع فقل سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد ، وبما أخرجه عن أبي هريرة قال : ( كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال سمع الله لمن حمده قال من وراءه : سمع الله لمن حمده ) وبما أخرجه عن ابن عون قال : قال محمد إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده قال من خلفه : سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد.
المسلك السادس : أن الصلاة مبنية على أن لا يفتر عن الذكر في شيء منها ، فإن لم يأت بالذكرين في الرفع والاعتدال بقي أحد الحالين خالياً عن الذكر.
المسلك السابع : قال الأصحاب : معنى قوله صلى الله عليه وسلّم وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد أي قولوا ربنا لك الحمد مع ما قد علمتموه من قول سمع الله لمن حمده ، وإنما خص هذا بالذكر لأنهم كانوا يسمعون جهر النبي صلى الله عليه وسلّم بسمع الله لمن حمده فإن السنة فيه الجهر ولا يسمعون قوله ربنا لك الحمد غالباً لأنه يأتي به سراً ، وكانوا يعلمون قوله صلى الله عليه وسلّم : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) مع قاعدة التأسي به صلى الله عليه وسلّم مطلقاً فكانوا موافقين في سمع الله لمن حمده فلم يحتج إلى الأمر به ولا يعرفون ربنا لك الحمد فأمروا به.