كتاب القانون في الطب (اسم الجزء: 1)

أَن تكون محرزة فَوَجَبَ من ذَلِك أَن يكون عصب السّمع أَصْلَب فَكَانَ منبته من مُؤخر الدِّمَاغ أقرب وَإِنَّمَا اقْتصر فِي عضل الْعين على عصب وَاحِد وَكثر أعصاب عضل الصدغين لِأَن ثقبة الْعين احْتَاجَت إِلَى فضل سَعَة لاحتياج الْعصبَة المؤدية لقُوَّة الْبَصَر إِلَى فضل غلظ لإحتياجها إِلَى التجويف فَلم يحْتَمل الْعظم المستقر لضبط المقلة ثقوباً كَثِيرَة وَأما عصب الصدغين فاحتاجت إِلَى فضل صلابة فَلم تحتج إِلَى فضل غلظ بل كَانَ الغلظ مِمَّا يثقل عَلَيْهَا الْحَرَكَة وَأَيْضًا الْمخْرج الَّذِي لَهَا فِي عظم حجري صلب يحْتَمل ثقوباً عديدة. وَأما الزَّوْج السَّادِس فَإِنَّهُ ينْبت من مُؤخر الدِّمَاغ مُتَّصِلا بالخامس مشدودا مَعَه بأغشية وأربطة كَأَنَّهُمَا عصبَة وَاحِدَة ثمَّ يفارقها وَيخرج من الثقب الَّذِي فِي مُنْتَهى الدرز اللامي وَقد انقسم قبل الْخُرُوج ثَلَاثَة أَجزَاء ثلاثتها تخرج من ذَلِك الثقب مَعًا فقسم مِنْهُ يَأْخُذ طَرِيقه إِلَى عضل الْحلق وأصل اللِّسَان ليعاضد الزَّوْج السَّابِع على تحريكها. وَالْقسم الثَّانِي ينحدر إِلَى عضل الْكَتف وَمَا يقاربها ويتفرّق أَكْثَره فِي العضلة العريضة الَّتِي على الْكَتف وَهَذَا الْقسم صَالح الْمِقْدَار وَينفذ مُعَلّقا إِلَى أَن يصل مقْصده. وَأما الْقسم الثَّالِث وَهُوَ أعظم الْأَقْسَام الثَّلَاثَة فَإِنَّهُ ينحدر إِلَى الأحشاء فِي مصعد الْعرق السباتي وَيكون مشدوداً إِلَيْهِ مربوطاً بِهِ فَإِذا حَاذَى الحنجرة تفرعت مِنْهُ شعب وَأَتَتْ العضل الحنجرية الَّتِي رؤوسها إِلَى فَوق الَّتِي تشيل الحنجرة وغضاريفها فَإِذا جَاوَزت الحنجرة صعد مِنْهَا شعب تَأتي العضل المتنكسة الَّتِي رؤوسها إِلَى أَسْفَل وَهِي الَّتِي لَا بُد مِنْهَا فِي إطباق الطرجهاري وفتحه إِذْ لَا بُد من جذب إِلَى أَسْفَل وَلِهَذَا يُسمى العصب الرَّاجِع. وَإِنَّمَا أنزل هَذَا من الدِّمَاغ لِأَن النخاعية لَو أصعدت لصعدت موربة غير مُسْتَقِيمَة من مبدئها فَلم يتهيأ الجذب بهَا إِلَى أَسْفَل على الإحكام وَإِنَّمَا خلقت من السَّادِس لِأَن مَا فِيهِ من الأعصاب اللينة والمائلة إِلَى اللين مَا كَانَ مِنْهَا قبل السَّادِس فقد توزع فِي عضل الْوَجْه وَالرَّأْس وَمَا فيهمَا وَالسَّابِع لَا ينزل على الاسْتقَامَة نزُول السَّادِس بل يلْزمه تورب لامحالة. وَلما كَانَ قد يحْتَاج الصاعد الرَّاجِع إِلَى مُسْتَند مُحكم شَبيه بالبكرة ليدور عَلَيْهِ الصاعد متأيداً بِهِ وَأَن يكون مُسْتَقِيمًا وَضعه صلباً قَوِيا أملس مَوْضُوعا بِالْقربِ فَلم يكن كالشريان الْعَظِيم الصاعد من هَذِه الشّعب ذَات الْيَسَار يُصَادف هَذَا الشريان وَهُوَ مُسْتَقِيم غليظ فينعطف عَلَيْهِ من غير حَاجَة إِلَى تَوْثِيق كثير. وَأما الصاعد ذَات الْيَمين فَلَيْسَ يجاوره هَذَا الشريان على صفته الأولى بل يِجاوره وَقد عرضت لَهُ دقة لتشعب مَا تشعب مِنْهُ وفاتته الإستقامة فِي الْوَضع إِذا تورب مائلاً إِلَى الْإِبِط فَلم يكن بُد من توثيقه بِمَا يسْتَند عَلَيْهِ بأربطة تشد الشّعب بِهِ ليتدارك بذلك مَا فَاتَ من الغلظ والاستقامة فِي الْوَضع.

الصفحة 80