كتاب القانون في الطب (اسم الجزء: 1)

هِيَ بالحركات. أما فِي الجذب وَالدَّفْع فَذَلِك ظَاهر. وَأما فِي الهضم فَلِأَن الهضم يستكمل بتفريق أَجزَاء مَا غلظ وكثف وَجَمعهَا مَعَ مارق ولطف. وَهَذِه بحركات تفريقية وتمزيجية. وَأما الماسكة فَهِيَ تفعل بتحريك الليف المورب إِلَى هَيْئَة من الإشتمال متقنه. والبرودة مميتة محدرة مالعة عَن جَمِيع هَذِه الْأَفْعَال إِلَّا أَنَّهَا تَنْفَع فِي الْإِمْسَاك بِالْعرضِ بِأَن يحبس الليف على هَيْئَة الإشتمال الصَّالح فَتكون غير دَاخِلَة فِي فعل القوى الدافعة بل مهيئة للآلة تهيئة تحفظ بهَا فعلهَا. وَأما الدافعة فتنتفع بالبرودة بِمَا يمْنَع من تَحْلِيل الرّيح الْمعينَة للدَّفْع وَبِمَا يعين فِي تغليظه وَبِمَا يجمع الليف العريض العاصر ويكنفه. وَهَذَا أَيْضا تهيئة للآلة لَا مَعُونَة فِي نفس الْفِعْل. فالبرد إِنَّمَا يدْخل فِي خدمَة هَذِه القوى بِالْعرضِ وَلَو دخل فِي نفس فعلهَا لأضر ولأخمد الْحَرَكَة. وَأما اليوبسة فالحاجة إِلَيْهَا فِي أَفعَال قوى ثَلَاث: الناقلتان والماسكة. أما الناقلتان وهما الجاذبة والدافعة فلِما فِي اليبس من فضل تَمْكِين من الإعتماد الَّذِي لَا بُد مِنْهُ فِي الْحَرَكَة أَعنِي حَرَكَة الرّوح الحاملة لهَذِهِ القوى نَحْو فعلهَا باندفاع قوي تمنع عَن مثله الإسترخاء الرطوبي إِذا كَانَ فِي جَوْهَر الرّوح أَو فِي جَوْهَر الْآلَة. وَأما الماسكة فللقبض. وَأما الهاضمة فحاجتها إِلَى الرُّطُوبَة أمس ثمَّ إِذا قايست بَين الكيفيات الفاعلة والمنفعلة فِي حَاجَة هَذِه القوى إِلَيْهَا صادفت الماسكة حَاجَتهَا إِلَى اليبس أَكثر من حَاجَتهَا إِلَى الْحَرَارَة لِأَن مُدَّة تسكين الماسكة أَكثر من مُدَّة تحريكها الليف المستعرض إِلَى الْقَبْض لِأَن مُدَّة تحريكها وَهِي الْمُحْتَاج فِيهَا إِلَى الْحَرَارَة قَصِيرَة وَسَائِر زمَان فعلهَا مَصْرُوف إِلَى الْإِمْسَاك والتسكين. وَلما كَانَ مزاج الصّبيان أميل كثيرا إِلَى الرُّطُوبَة ضعفت فيهم هَذِه الْقُوَّة. وَأما الجاذبة فَإِن حَاجَتهَا إِلَى الْحَرَارَة أَشد من حَاجَتهَا إِلَى اليبس لِأَن الْحَرَارَة قد تعين فِي الجذب بل لِأَن أَكثر مُدَّة فعلهَا هُوَ التحريك. وحاجتها إِلَى التحريك أمس من حَاجَتهَا إِلَى تسكين أَجزَاء اَلتها وتقبيضها باليبوسة وَلِأَن هَذِه الْقُوَّة لَيست تحْتَاج إِلَى حَرَكَة كَثِيرَة فَقَط بل قد تحْتَاج إِلَى حَرَكَة قَوِيَّة. والإجتذاب يتم إِمَّا بِفعل الْقُوَّة الجاذبة كَمَا فِي المغناطيس الَّتِي بهَا يجذب الْحَدِيد وَأما باضطرار الْخَلَاء كانجذاب المَاء فِي الزراقات. وَأما الْحَرَارَة كاجتذاب لَهب السراج الدّهن وَإِن كَانَ هَذَا الْقسم الثَّالِث عِنْد الْمُحَقِّقين يرجع إِلَى اضطرار الْخَلَاء بل هُوَ هُوَ بِعَيْنِه فَإِذا مَتى كَانَ مَعَ الْقُوَّة الجاذبة معاونة حرارة كَانَ الجذب أقوى. وَأما الدافعة فَإِن حَاجَتهَا إِلَى اليبس أقل من حاجتهما أَعنِي الجاذبة والماسكة لِأَنَّهَا لَا تحْتَاج إِلَى قبض الماسكة وَلَا لزم الجاذبة وَقَبضهَا واحتوائها على المجذوب بإمساك جُزْء من الْآلَة ليلحق بِهِ جذب الْجُزْء الآخر. وَبِالْجُمْلَةِ لَا حَاجَة بالدافعة إِلَى التسكين الْبَتَّةَ بل إِلَى التحريك وَإِلَى قَلِيل تكثيف يعين الْعَصْر وَالدَّفْع لَا مِقْدَار مَا تبقى بِهِ الْآلَة حافظة لهيئة شكل الْعُضْو أَو الْقَبْض كَمَا فِي الماسكة زَمَانا طَويلا وَفِي الجاذبة زماناَ يَسِيرا ريث تلاحق جذب الْأَجْزَاء. فَلهَذَا حَاجَتهَا إِلَى اليبس قَليلَة

الصفحة 97