كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 1)

الحمد لله................................................................
__________
للمناسبة، ومعناهما واحد عند المحققين، إلا أن الرحمن مختص به تعالى، ولذا قدم على الرحيم لأنه صار كالعلم من حيث إنه لا يوصف به غيره, وقول بني حنيفة في مسيلمة: رحمان اليمامة، وقول شاعرهم: لا زلت رحمانا. عنت في الكفر أو شاذ، أو المختص بالله تعالى، أو المعرف باللام، فالرحمن خاص لفظًا لحرمة إطلاقه على غير الله، عام معنى من حيث إنه يشمل جميع الموجودات، والرحيم عام من حيث الاشتراك في التسمي به خاص معنى لرجوعه إلى اللطف والتوفيق، وقد قال -صلى الله عليه وسلم: "الله رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما". رواه الحاكم. وقيل: اسم الله الأعظم هو الأسماء الثلاثة: الله الرحمن الرحيم.
وروى الحاكم في المستدرك وصححه عن ابن عباس، أن عثمان بن عفان سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم عن: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فقال: "هو اسم من أسماء الله تعالى، وما بينه وبين اسم الله الأكبر إلا كما بين سواد العين وبياضها من القرب". ولكون الحمد من أفرادها اقتصر عليها إمامنا في الموطأ والبخاري وأبو داود، ومن لا يحصى، وأيده الحافظ بأن أول ما نزل: {قْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] ، فطريق التأسي به الافتتاح بها والاقتصار عليها، وبأن كتبه -صلى الله عليه وسلم- إلى الملوك وغيرهم مفتتحة بها دون حمدلة وغيرها، لكن المصنف كالأكثر أردفها به، لأن المقتصر عليها لا يسمى حامدًا عرفًا، فقال: "الحمد لله" وللاقتداء بالكتاب العزيز ولقوله -صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل يحب أن يحمد"، رواه الطبراني وغيره.
وروى الشيخان وغيرهما مرفوعًا: لا أحد أحب إليه الحمد من الله عز وجل، وقوله -صلى الله عليه وسلم: "فإن الله يحب الحمد يحمد به ليثيب حامده، وجعل الحمد لنفسه ذكرًا ولعباده ذخرًا". رواه الديلمي عن الأسود بن سريع. وقوله -صلى الله عليه وسلم: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع". رواه أبو داود وابن ماجه وغيرهما، وصححه ابن حبان وأبو عوانة، وإن كان في سنده قرة بن عبد الرحمن تكلم فيه، لأنه لم ينفرد به، بل تابعه سعيد بن عبد العزيز، وأخرجه النسائي. وفي رواية أحمد: لا يفتتح بذكر الله فهو أبتر أو أقطع. تشبيه بليغ في العيب المنفر بحذف الأداة والأصل هو كالأبتر أو الأقطع في عدم حصول المقصود منه، أو استعارة ولا يضر الجمع فيه بين المشبه والمشبه به، لأن امتناعه إذا كان على وجه ينبئ عن التشبيه لا مطلقًا للتصريح بكونه استعارة في نحو:
قد زر ازراره على القمر
على أن المشبه في هذا التركيب محذوف، والأصل هو ناقص، كالأقطع، فحذف المشبه وهو الناقص وعبر عنه باسم المشبه به، فصار المراد من الأقطع الناقص، وعليه فلا جمع بين

الصفحة 12