كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 1)

سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول، وعن رجل طواف، وعن الروح ما هو؟
فقال لهم عليه السلام: "أخبركم غدًا". ولم يقل إن شاء الله تعالى، فلبث الوحي أيامًا، ثم نزل قوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا، إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 23-24] وأنزل الله تعالى ذكر الفتية الذين ذهبوا،
__________
تقول، أي: ذاكر ما لا حقيقة له، "سلوه" أمر من سال مخفف سأل "عن فتية ذهبوا في الدهر الأول" أي: الزمان المتقدم، سموه أول بالنظر لتقدمه على زمانهم بمدة طويلة، وبقية الرواية: ما كان من أمرهم، فإنه كان لهم حديث عجيب "وعن رجل طواف" قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه "وعن الروح" يذكر ويؤنث، ولذا قال: "ما هو" فأقبل النضر وعقبة، وقالا: قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، فجاءوا رسول الله فسألوه، "فقال لهم عليه السلام: "أخبركم غدًا" ولم يقل: إن شاء الله فلبث الوحي أيامًا" خمسة عشر يومًا؛ كما عند ابن إسحاق عن ابن عباس، وفي سير التيمي وابن عقبة: إنما أبطأ ثلاثة أيام"، وعن مجاهد: اثنا عشر، وقيل: أربعة، وقيل: أربعين، حتى أرجف أهل مكة، وقالوا: قد لاه ربه وتركه، وقالت حمالة الحطب: ما أرى صاحبك إلا وقد ودعك وقلاك. وفي رواية: فقالت امرأة قريش: أبطأ عليه شيطانه، حتى أحزنه ذلك صلى الله عليه وسلم.
وقد نزل في الرد عليهم: {وَالضُّحَى، وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى، مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 1-3] ، وأفتاه الله تعالى في سورة الكهف والإسراء عن مسائلهم، "ثم نزل قوله تعالى" عتابًا لنبيه: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا، إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 23-24] استثناه من النهي، أي: لا تقولن لشيء تعزم عليه إني فاعله في المستقبل إلا ملتبسًا بمشيئة الله، قائلا: إن شاء الله، وقيل: المراد وقت أن يشاء الله أن تقوله بمعنى أن يأذن لك فيه، والأول أوفق بكونه عتابًا على عدم الاستثناء، "وأنزل الله تعالى ذكر الفتية" جمع قلة لفتى آثره على جمع الكثرة وهو فتيان لكونهم دون عشرة، "الذين ذهبوا" ولا يعلمهم إلا قليل، قال ابن عباس: أنا من القليل، وذكر أنهم سبعة، وفي رواية عنه: ثمانية، أخرجهما ابن أبي حاتم، وفي التلفظ بأسمائهم خلف تركته لقول الحافظ في النطق بها اختلاف كثير لا يقع الوثوق من ضبطها بشيء، انتهى.
وعن ابن عباس: لم يبق منهم شيء بل صاروا ترابًا قبل البعث، وقيل: لم تأكلهم الأرض ولم تغيرهم، وفي معجمات الأقران أكثر العلماء على أنهم كانوا بعد عيسى، وذهب ابن قتيبة إلى أنهم كانوا قبله، وأنه أخبر قومه خبرهم، وأن يقظتهم بعد رفعه زمن الفترة. وفي تفسير ابن مردويه، عن ابن عباس: أصحاب الكهف أعوان المهدي، قال الحافظ: وسنده ضعيف، فإن ثبت حمل على أنهم لم يموتوا بل هم في المنام إلى أن يبعثوا لإعانة المهدي، وقد ورد حديث آخر بسند واهٍ أنهم يحجون مع عيسى ابن مريم، انتهى.

الصفحة 483