كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 1)

نحو هذا فالله أعلم. انتهى ملخصًا.
ولما كثر المسلمون، وظهر الإيمان................................................
__________
وباقي الخمس المذكورة في آية {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34] "نحو هذا" يعني: أنه أوتي علمها ثم أمر بكتمها، قال بعضهم: وظاهر الأحاديث يأباه، "فالله أعلم" بحقيقة ذلك "انتهى" كلام الفتح "ملخصًا" وفيه بعد هذا: وممن رأى الإمساك عن ذلك الأستاذ أبو القاسم القشيري، فقال بعد كلام الناس في الروح: وكان الأولى الإمساك عن ذلك والتأدب بأدبه صلى الله عليه وسلم، وقد قال الجنيد: إنها مما استأثر الله بعلمه ولم يطلع عليه أحدًا من خلقه، فلا تجوز العبارة عنه بأكثر من موجود، وعلى ذلك جرى ابن عطية وجمع من أهل التفسير. وأجاب من خاض في ذلك: بأن اليهود سألوا عنها سؤال تعجيز وتغليظ، لكونه يطلق على أشياء فأضمروا أنه بأي شيء أجاب، قالوا: ليس هذا المراد، فرد الله كيدهم، وأجابهم جوابًا مجملا كسؤالهم المجمل. وقال السهروردي: يجوز أن من خاض فيها سلك التأويل لا التفسير، إذ لا يسوغ إلا نقلا.
أما التأويل فتمتد العقول إليه بذكر ما تحتمل الآية من غير قطع بأنه المراد، وقد خالف الجنيد ومن تبعه جماعة من متأخري الصوفية فأكثروا من القول في الروح، وصرح بعضهم بمعرفة حقيقتها وعاب من أمسك عنها، انتهى. ثم ذكر المصنف بعض ما أوذي به المسلمون, سنة الله في الذين خلوا من قبل؛ كما قال تعالى: {الم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [العنكبوت: 1-3] الآية، يقال: نزلت في عمار. وفي البخاري عن خباب: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد برده في ظل الكعبة، ولقد لقينا من المشركين شدة شديدة، فقلت: يا رسول الله! ألا تدعو الله لنا؟ فقعد محمرًا وجهه، فقال: "إنه كان من قبلكم ليمشط أحدهم بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأس أحدهم فيشق ما يصرفه ذلك عن دينه، وليظهرن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه"، انتهى.
إلا أن المصنف يشعر بأنه بعد إسلام حمزة وبعث المشركين إلى اليهود وليس بمراد؛ لأن إسلام حمزة في السادسة والهجرة الأولى في الخامسة، نعم يأتي على أن إسلامه في الثانية، فقال:
"ولما كثر المسلمون وظهر الإيمان" لم يقل الإسلام مع أنه أنسب بالمسلمين إيماء إلى أن ما صدقهما واحد إذ لا اعتداد بأحدهما دون الآخر شرعًا؛ فالإسلام النافع هو الانقياد ظاهرًا وباطنًا لإجابة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يتحقق بدون الإيمان، كما أن الإيمان الذي هو التصديق لاعتداد به

الصفحة 495