كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 1)

فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون ليعذبونهم فألبسوهم أدراع الحديد وصهروهم في الشمس، وإن بلالا هانت نفسه عليه في الله عز وجل، وهان على قومه، فأخذوه فأعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة، وهو يقول: أحد أحد. رواه أحمد في مسنده.
وعن مجاهد مثله، وزاد في قصة بلال: وجعلوا في عنقه حبلا....................
__________
والمشاهد كلها. "فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله" من أذية الكفار البالغة المتوالية، فلا ينافي وطء عتبة رقبته وسب أبي جهل، ونحو ذلك.
"بعمه أبي طالب" وبغيره كبعث جبريل في صورة فحل ليلتقم أبا جهل لما أراد أذاه، ورؤيته أفق السماء سد عليه لما نذر أن يطأ عنقه الشريف، ورؤيته رجالا عن يمينه وعن شماله معهم رماح، حتى قال: لو خالفته لكانت إياها، أي: لأتوا على نفسه لما أخذ صلى الله عليه وسلم بظلامة الزبيدي في جماله التي كان أكسدها عليه وظلمه، فأقبل إليه المصطفى، وقال: "يا عمرو، إياك أن تعود لمثل ما صنعت، فترى مني ما تكره" فجعل يقول: لا أعود لا أعود، كما بين في الأخبار، وكستر ملك له بجناحه لما أرادته امرأة أبي لهب فلم تره، وغير ذلك من الآيات البينات.
"وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه" من الأذى المتوالي "وأما سائرهم" أي: باقيهم، "فأخذهم المشركون يعذبونهم فألبسوهم أدراع الحديد" جمع درع ولعل الإضافة للاحتراز عن نحو القمص، "وصهروهم" بفتح الهاء مخففًا طرحوهم، "في الشمس" لتؤثر حرارتها فيهم "وإن بلالا" بكسر الهمزة استئناف، "هانت نفسه عليه في الله عز وجل" فلم يبال بتعذيبهم، وصبر على أذاهم، "وهان على قومه" أي: مواليه، "فأخذوه فأعطوه الولدان" جمع وليد "فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة، وهو يقول: أحد أحد" قال البرهان: مرفوع منون كذا أحفظه، وكذا هو في أصلنا من سنن ابن ماجه خبر مبتدأ محذوف، أي: الله أحد، كأنه يشير إلى أني لا أشرك بالله شيئا، ويحتمل أنه مرفوع غير منون، أي: يا أحد، قال شيخنا: وأما النطق به حكاية لكلام بلال، فالظاهر أنه بالسكون لكونه موقوفًا عليه غير موصول بما يقتضي تحريكه، "رواه أحمد في مسنده، وعن مجاهد مثله.
وفيه: أنه نزل فيهم {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ} [النحل: 110، 119] الآية، وأخرجه بقي بن مخلد في مسنده، لكنه أبدل المقداد بخباب، "وزاد" مجاهد "في قصة بلال، وجعلوا في عنقه حبلا

الصفحة 498