قال الشارح: اعلم أن المفعول لمّا كان فضلةً تستقلّ الجملةُ دونه، وينعقِد الكلامُ من الفعل، والفاعل بلا مفعول، جاز حذفُه وسقوطُه، وإن كان الفعلُ يقتضيه، وحذفُه على ضربين:
أحدهما: أن يُحذف وهو مرادٌ ملحوظٌ، فيكون سقوطُه لضرب من التخفيف، وهو في حكم المنطوق به.
والثاني: أن تحذفه مُعرِضًا عنه ألبتّةَ، وذلك أن يكون الغرضُ الإخبارَ بوقوع الفعل من الفاعل من غير تعرُّضِ لمن وقع به الفعلُ، فيصير من قبيلِ الأفعال اللازمة، نحو: ظَرُفَ، وشَرِقَ، وقَامَ، وقَعَدَ.
فالأوّل نحو قوله تعالى: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} (¬1)، وقوله: {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} (¬2)، ومنه قوله تعالى: {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} (¬3)، {وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ} (¬4)، و {أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} (¬5). فكلُّ هذا على إرادة الهاء، وحذفُها تخفيفًا لطُول الكلام بالصلة. ألا ترى أنَّه لولا إرادةُ الهاء، بقي الموصولُ بلا عائد، فكان في حكم المنطوق به، لأنّ الدلالة عليه من جهتَيْن: من جهةِ اقتضاء الفعل له، ومن جهةِ اقتضاءِ الصلة إذ كان العائدَ.
ومنه قوله تعالى: {وما عملتْ أيديهم} (¬6) قرأ عاصمٌ في رواية أبي بَكْر، وحَمْزَةُ،
¬__________
= الإعراب: "وإن": الواو: حرف استئناف، و"إن": حرف شرط جازم مبني على السكون لا محل له من الإعراب. "تعتذر": فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه السكون الظاهر، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هي. "بالمحل": جار ومجرور متعلقان بالفعل "تعتذر". "مِنْ": حرف جر. "ذي": اسم مجرور وعلامة جره الياء لأنه من الأسماء الستة، والجار والمجرور متعلقان بالفعل "تعتذر"، وهو مضاف. "ضروعها": مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة، وهو مضاف، و"ها": ضمير متصل مبني على السكون في محل جر مضاف إليه. "إلى الضيف": جار ومجرور متعلقان بالفعل "تعتذر". "يجرخ": فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الشرط، وعلامة جزمه السكون الظاهر. "في": حرف جر. "عراقيبها": اسم مجرور، و"ها": ضمير متصل مبني على السكون، مضاف إليه، والجار والمجرور متعلقان بالفعل "يجرح". "نصلي": فاعل مرفوع بالضمة المقدّرة على ما قبل الياء لاشتغال المحل بالحركة المناسبة، وهو مضاف، والياء: ضمير متصل مبني على السكون في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة "إن تعتذرْ ... يجرح" الشرطية: بحسب ما قبلها. وجملة "تعتذر" لا محلّ لها من الإعراب لأنها جملة الشرط غير الظرفيّ. وجملة "يجرح في عراقيبها نصلي": جواب الشرط الجازم لا محل لها من الإعراب لأنها غير مقترنة بالفاء أو"إذا".
والشاهد فيه قوله: "يجرح في عراقيبها نصلي" حيث حذف مفعول "يجرح" لتضمّنه معنى "يؤثر".
(¬1) الرعد: 26.
(¬2) الفرقان: 41.
(¬3) هود: 43.
(¬4) النمل: 59.
(¬5) القصص: 62.
(¬6) يس: 35.