كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 1)
وهذا الباب قياس عند بعضهم, وعند الآخرين مقصور على السماع".
* * *
قال الشارح: أمّا قولك: "ما أنت وزيدٌ" و"كيف أنت وقصعةٌ من ثريدٍ" فالرفعُ ها هنا هو الوجهُ، لأنّه ليس معك فعلٌ ينصِب. ولا يمتنع عطفُه على ما قبله، لأنّ الذي قبله ضميرٌ مرفوعٌ منفصلٌ، والضميرُ المنفصلُ يجري مجرَى الظاهر، فيجوز العطف عليه، فلذلك كان الوجه الرفعَ. ومنه قولُه [من الكامل]:
يا زِبْرَقانُ أخَا بَنِي خَلَفِ ... ما أنت وَيْبَ أبيك والفَخْرُ
البيت للمُخَبَّل السَّعْدىّ، وبعدَه [من الكامل]:
هل أنت إلَّا في بني خَلَفٍ ... كالإسْكَتَيْن عَلاهما البَظْرُ
والشاهد فيه رفعُ "الفخر" بالعطف على "أنت" مع ما في الواو من معنَى "مَعَ"، وامتناع النصب منه، إذ ليس قبله فعلٌ يتعدّى إليه، فينصبَه كما كان في الذي قَبْلَه. ومعنَى "وَيْبَ أبيك" التصغيرُ له، والتحقيرِ. وبنو خلف: رَهْطُ الزبرقان بنِ بَدْر، والأذَى إليه من تميم. ويقول: مَن ساد مثلَ قومك، فلا فَخْرَ له في سيادتهم. وشبّههم إذا اجتمعوا حولَه بالبَظْر بين الإسكتين، والإسكتان بكسر الهمزة: جانِبَا الفَرْج، وهما قُذَّتاه. وقول الآخر [من الوافر]:
وكنتَ هناك أنت كريمَ قَيْسٍ ... فما القَيْسيُّ بعدَك والفِخارُ
الشاهد فيه رفعُ "الفخار" بالعطف على "القيسيّ". يرثي رجلًا من ساداتِ قيس. يقول: كنتَ كريمَها، ومعتمَدَ فَخْرها، فلم يبقَ بعدك فخرٌ.
وحكى سيبويه (¬1) في هذَيْن الحرفَيْن النصبَ بإضمارِ "كُنْتَ" و"تَكُونُ"، فيكون التقديرُ: كيف تكون أنت وقصعةً من ثريد؟ وما كنت أنت وزيدًا؟ وحسُن تقديرُ الفعل هنا، لأنّه موضعٌ قد كثُر استعمالُ الفعل فيه. فنظيرُ ذلك قولُ زُهَيْرٍ [من الطويل]:
268 - بَدَا لِيَ أنّي لَسْتُ مُدْرِكَ ما مَضَى ... ولا سابقٍ شَيْئًا إذا كان جاثيَا
¬__________
= والشاهد فيه قوله: "ما أنت والسير" حيث نصب "السير" على أنّه مفعول معه بإضمار فعل يعمل فيه تقديره: "ما كنت"، أو لأن "ما أنت" بمعنى "ما تصنع".
(¬1) الكتاب 1/ 302، 303.
268 - التخريج: البيت لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص 287؛ وتخليص الشواهد ص 512؛ وخزانة الأدب 8/ 492، 496، 552، 9/ 100، 102، 104؛ والدرر 6/ 163؛ وشرح شواهد المغني 1/ 282؛ ولسان العرب 6/ 360 (نمش)؛ ومغني اللبيب 1/ 96؛ والمقاصد النحوية 2/ 267، 3/ =
الصفحة 446
462