كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 1)
المفعول له
فصل [تعريفه]
قال صاحب الكتاب: "هو علة الإقدام على الفعل, وهو جواب لـ "مه" (¬1). وذلك قولك: "فعلت كذا مخافة الشر", و"إدخار فلان"، و"ضربته تأديباً"، و"قعدت في الحرب جُبناً"، و"فعلت ذلك أجل كذا". وفي التنزيل {حذر الموت} (¬2) ".
* * *
قال الشارح: اعلم أن المفعول له لا يكون إلّا مصدرًا، ويكون العاملُ فيه من غير لفظه، وهو الفعلُ الذي قبله، وإنّما يُذكَر عِلّةً وعُذْرًا لوُقوعِ الفعل، وأصلُه أن يكون باللام، وإنّما وجب أن يكون مصدرًا، لأنّه علّةٌ وسببٌ لوقوع الفعل، وداعِ له. والداعي إنّما يكون حَدَثًا لا عَيْنًا، وذلك من قِبَل أنّ الفعل، إمّا أن يجتذِب به فعلٌ آخرُ، كقولك: "احتملتُك لاستدامةِ مَودَّتك"، و"زُرْتُك لابتغاءِ معروفك". فَـ "استدامةُ المودّة" معنًى يُجذَب بالاحتمال، و"ابتغاءُ الرزق" معنًى يُجذَب بالزيارة. وإمّا أن يُدفَع بالفعل الأوّلِ معنًى حاصلٌ، كقولك: "فعلتُ هذا حَذَرَ شَرِّك". فالحذرُ معنًى حاصلٌ يُتوصّل بما قبله من الفعل إلى دَفْعه. والمصادرُ معانٍ تحدُث وتنقضي، فلذلك كانت علّةً بخلافِ العين الثابتة. وإنّما وجب أن يكون العامل فيه من غير لفظه، نحو قولك: "زُرْتُك طَمَعًا في بِرّك"، و"قصدتُك رَجاءً خيرَك". فالطمعُ ليس من لفظِ "زرتك"، والرجاءُ ليس من لفظِ "قصدتك". ولا تقول: "قصدتُك للقصد"، ولا "زرتك للزيارة"، لأنّ المفعول له عِلّةٌ لوجودِ الفعل. والشيءُ لا يكون علّة لنفسه، إنّما يُتوصّل به إلى غيره. وإنّما قلنا: إنّه علّةٌ وعُذْرٌ لوقوع الفعل، لأنّه يقع في جوابِ "لِمَ فعلتَ"، كما يقع الحال في جوابِ "كَيْفَ فعلتَ". وإنّما كان أصله أن يكون باللام، لأنّ اللام معناها العلّةُ، والغَرَضُ، نحوُ: "جئتُك لتُكْرِمَني"، و"سِرْتُ لأدْخُلَ المدينةَ"، أي: الغَرَضُ من مَجِيئِي الإكرامُ، والغرض بالسير دُخولُ المدينة. والمفعولُ له عِلّةُ الفعل، والغرضُ به.
والفعلُ يكون لازمًا أو مُنتَهِيًا في التعدّي باللام، وقد تُحذف هذه اللام، فيُقال: "فعلتُ ذاك حِذارَ الشرّ" و"أتيتُك مخافةَ فلانٍ"، وأصلُه: لحذار الشرّ، ولمخافةِ فلان.
¬__________
(¬1) أي: لماذا.
(¬2) البقرة: 19، 243.
الصفحة 449
462