كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 1)

فقوله: "مهابته" في موضعِ المفعول له، واسمُ ما لم يُسمَّ فاعله المصدرُ المقدَّرُ، ولا يكون "من مهابته" في موضع اسمِ ما لم يسمّ فاعله, لأنّ المفعول له لا يُقام مُقامَ الفاعل، لئلّا تزول الدلالُة على العلّة فاعرفه.

فصل [شروط المفعول له]
قال صاحب الكتاب: "وفيه ثلاث شرائط: أن يكون مصدراً، وفعلاً لفاعل الفعل المعلل، ومقارناً له في الوجود. فإن فقد شيءٌ منها فاللام, كقولك: "جئتك للسمن واللبن, ولإكرامك الزائر"، وخرجت اليوم لمخاصمتك زيداً أمس"".
* * *
قال الشارح: اعلم أنّه لا بدّ لكلّ مفعول له من إجتماع هذه الشرائط الثلاث:
أمّا كَوْنُه مصدرًا، فقد تقدّم الكلام عليه لِمَ كان مصدرًا.
وأمّا اشتراطُ كونه فعلاً لفاعلِ الفعل المعلَّل، فلأنَّه علّةٌ وعُذْرٌ لوجود الفعل، والعلّةُ معنًى يتضمّنه ذلك الفعلُ، وإِذا كان متضمِّنًا له، صار كالجُزْء منه، يقتضي وجودُه وجودَه. فإذا كان ذلك كذلك، فإذا فَعَلَ الفاعلُ هذا، فقد فَعَلَ ذاكَ، نحوَ: "ضربتُه تقويمًا له، وتأديبًا"، فكما أنّ الضرب لك، فكذلك التقويمُ والتأديبُ لك، إذ هو معنًى داخلٌ تحته. ولو جاز أن يكون المفعولُ له لغيرِ فاعل الفعل، لَخَلَا الفعلُ عن علّةٍ، وذلك لا يجوز، لأنّ العاقل لا يفعل فعلاً إلّا لِعلّةٍ، ما لم يكن ساهِيًا أو ناسِيًا.
وأمّا اشتراطُ كونه مقارنًا له في الوجود، فلأنّه علّةُ الفعل، فلم يجز أن يخالِفه في الزمان، فلو قلت: "جئتُك إكرامَك الزائرَ أمْسِ" كان مُحالًا, لأنّ فعلك لا يتضمّن فعلَ غيرك. وإذا قلت: "ضربتُه تأديبًا له"، و"قصدتُه ابتغاءً معروفَه"، فقد جُمع هذه الشرائطُ الثلاثُ. فإن فُقد شيءٌ من هذه الشرائط، لم يحسن انتصابُه، ولم يكن بُدٌّ من اللام، فلا تقول: "جئتُك زيدًا"، ولا "إكرامَك الزائرَ"، ولا "خرجتَ اليومَ مخاصَمتَك زيدًا أمسِ".
¬__________
= وجملة "يغضى": ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب، أو في محلّ رفع خبر مبتدأ محذوف تقديره: هو. وجملة "يغضى من مهابته": معطوفة على جملة "يغضى حياء". وجملة "يكلّم" معطوفة على جملة "يغضى". وجملة "يبتسم": في محلّ جرّ بالإضافة.
والشاهد فيه قوله: "ويُغضَى من مهابتِه" حيث جاءت "مِن" للتعليل، وجاء نائب فاعل "يُغضى" ضميرًا مستترًا فيه جوازًا تقديره هو يعود إلى مصدر موصوف بوصف محذوف يتعلّق الجار والمجرور به، فكأنّه قال: ويغضى إغضاء حادث من مهابته. وذهب الأخفش إلى أنَّ الجارّ والمجرور "من مهابته" نائب فاعل مع اعترافه أنَّ "من" هنا للتعليل، وعنده أنَّه لا يمتنع نيابة المفعول لأجله عن الفاعل بخلاف جمهور النحاة.

الصفحة 451