كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (اسم الجزء: 1)

ملك مصر، وكان جميع أهل الأرضيين يحتاجون إلى مصر، وأما الأنهار فكانت قناطر وجسورا بتقدير وتدبير حتى أن الماء يجري من تحت منازلها وأفنيتها فيحبسونه كيف شاءوا، فهذا ما ذكره الله سبحانه في مصر من آي الكتاب العزيز بصريح الذكر.
(وأما) ما وقعت إليه الإشارة فيه من الآيات فعدّة.
قال تعالى: وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ
[يونس/ 93] ، وقال تعالى:
وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ
[المؤمنون/ 50] . قال ابن عباس، وسعيد بن المسيب، ووهب بن منبه: هي مصر، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه: هي الإسكندرية، وقال تعالى: فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ
[الشعراء/ 57] ، وقال تعالى: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ
[الدخان/ 25] . قال ابن يونس في قول الله سبحانه: فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ
[الشعراء/ 57] . قال أبو رهم: كانت الجنات بحافتي النيل من أوّله إلى آخره من الجانبين ما بين أسوان إلى رشيد، وسبعة خلج: خليج الإسكندرية، وخليج سخا، وخليج دمياط، وخليج سردوس، وخليج منف، وخليج الفيوم، وخليج المنهى متصلة لا ينقطع منها شيء عن شيء وزروع ما بين الجبلين كله من أوّل مصر إلى آخرها مما يبلغه الماء، وكان جميع أرض مصر كلها تروي يومئذ من ستة عشر ذراعا لما قد دبروا من قناطرها، وجسورها. قال: والمقام الكريم: المنابر كان بها ألف منبر. وقال مجاهد وسعيد بن جبير: المقام الكريم: المنابر، وقال قتادة: ومقام كريم أي حسن ونعمة كانوا فيها فاكهين ناعمين. قال: أي والله أخرجه الله من جنانه، وعيونه، وزروعه حتى ورطه في البحر. وقال سعيد بن كثير بن عفير: كنا بقبة الهواء عند المأمون لما قدم مصر فقال لنا:
ما أدري ما أعجب فرعون من مصر حيث يقول: أليس لي ملك مصر؟ فقلت: أقول: يا أمير المؤمنين، فقال: قل يا سعيد، فقلت: إنّ الذي ترى بقية مدمّر لأنّ الله عزّ وجلّ يقول:
وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ
[الأعراف/ 137] قال: صدقت، ثم أمسك، وقال تعالى: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ
[القصص/ 5] ، وقال تعالى مخبرا عن فرعون أنه قال: يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ
[غافر/ 29] ، وقال تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ
[الأعراف/ 137] ، وقال تعالى مخبرا عن قوم فرعون: أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ
[الأعراف/ 127] يعني أرض مصر، وقال تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام أنه قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ
[يوسف/ 55] . روى ابن يونس عن أبي نضرة الغفاريّ رضي الله عنه قال: مصر خزائن الأرض كلها، وسلطانها سلطان الأرض كلها ألا

الصفحة 45