كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (اسم الجزء: 1)

أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَماذا تَأْمُرُونَ قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ
[الشعراء/ 34- 37] ، وأين هذا من قول أصحاب النمرود في إبراهيم صلوات الله عليه، حيث أشاروا بقتله قال تعالى حكاية عنهم: قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ
[الأنبياء/ 68] ومن أهل مصر، امرأة فرعون التي مدحها الله تعالى في كتابه العزيز بقوله:
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
[التحريم/ 11] ومن أهلها، ماشطة بنت فرعون وآمنت بموسى عليه السلام، فمشطها فرعون بأمشاط الحديد كما يمشط الكتان، وهي ثابتة على إيمانها بالله.
وقال صاعد اللغوي «1» في كتاب طبقات الأمم: إن جميع العلوم التي ظهرت قبل الطوفان إنما صدرت عن هرمس الأوّل الساكن بصعيد مصر الأعلى، وهو أوّل من تكلم في الجواهر العلوية، والحركات النجومية، وهو أوّل من ابتنى الهياكل، ومجد الله فيها، وأوّل من نظر في علم الطب، وألف لأهل زمانه قصائد موزونة في الأشياء الأرضية والسماوية، وقالوا: إنه أوّل من أنذر بالطوفان، ورأى أن آفة سماوية تصيب الأرض من الماء، والنار فخاف ذهاب العلم، واندراس الصنائع فبنى الأهرام، والبرابي «2» التي في صعيد مصر الأعلى، وصوّر فيها جميع الصنائع، والآلات ورسم فيها صفات العلوم حرصا على تخليدها لمن بعده، وخيفة أن يذهب رسمها من العالم، وهرمس هذا هو: إدريس عليه السلام.
وقال أبو محمد الحسن بن إسماعيل بن الفرات في أخبار مصر: إن الخضر جاز البحر مع موسى عليه السلام، وكان مقدّما عنده، وكان بمصر من الحكماء جماعة ممن عمرت الدنيا بكلامهم وحكمهم وتدبيرهم، وكان من علومهم علم الطب، وعلم النجوم، وعلم المساحة، وعلم الهندسة، وعلم الكيمياء، وعلم الطلسمات، ويقال: كانت مصر في الزمن الأوّل يسير إليها طلاب العلوم لتزكو عقولهم، وتجود أذهانهم ويتميز عندهم الذكاء وتدق الفطنة.
ومن فضائل مصر: أنها تمير أهل الحرمين وتوسع عليهم ومصر فرضة الدنيا يحمل خيرها إلى ما سواها، فساحلها بمدينة القلزم يحمل منه إلى الحرمين واليمن والهند والصين وعمان والسند والشحر، وساحلها من جهة تنيس ودمياط والفرما فرضة بلاد الروم،

الصفحة 52