كتاب سر صناعة الإعراب (اسم الجزء: 1)

واعلم أن "إذا" هذه التي ذكرناها ولا يجوز وقوع الفعل بعدها: وذلك أن ما بعدها مرفوع بالابتداء، وهي خبر عنه، فكما أن المبتدأ لا يكون إلا اسما، فكذلك "إذا" هذه لا يكون ما بعدها إلا اسما، ومن ذلك قولهم: حسبته شتمني فأثب عليه، ليست الفاء هنا عاطفة على الفعل الذي قبلها، ولكن معناها الإتباع ألا ترى أن معنى الكلام: إن شتمني وثبت عليه. ومن ذلك قول الرجل لصاحبه: دعوتك أمس فلم تجبني، فيقول له صاحبه، فقد أجبتك اليوم، فدخول الفاء هنا يدل على أنه قد أجابه عن كلامه. ولو قال له: قد أجبتك اليوم، لكان آخذا في كلام منه على غير وجه الجواب وتعليق الثاني بالأول.
ومن ذلك قوله، وهو من أبيات الكتاب1:
فقلنا أسلموا إنا أخوكم ... فقد برئت من الإحن الصدور2
فجعل الإسلام مسببا عن براءة صدورهم من الإحن، وهي العدوات، إلا أنه قدم في اللفظ المسبب على السبب، لأن معناه: قد برئت من الإحن الصدور، فأسلموا من اجل ذلك، إلا أن الفاء عقدت الأول بالآخر، وجرى هذا الكلام مجرى: اشكرني فقد أحسنت إليك، فالإحسان وإن كان مؤخرا في اللفظ، فهو مقدم في المعنى، لأنه هو سبب الشكر، فينبغي أن يتقدمه في الرتبة، فكأنه قال: قد أحسنت إليك فاشكرني.
__________
1 الكتاب: يقصد كتاب سيبويه في النحو.
2 البيت لعباس بن مرداس السلمي الصحابي.
أسلموا: ادخلوا في السلم.
والإحن: جمع إحنة وهي الحقد والعداوة. مادة "أح ن" اللسان "1/ 35".
شرح البيت: يقول ادخلوا في السلم فنحن إخوانكم وقد برئت صدورنا من الأحقاد.
الشاهد في قوله: قد برئت من الإحن الصدور -فالفاء هنا للإتباع.
إعراب الشاهد:
الفاء: للإتباع. قد: حرف تحقيق وتأكيد مبني.
برئت: فعل ماضي مبني على الفتح، والتاء للتأنيث.
من الإحن: جار ومجرور. الصدور: فاعل مرفوع.

الصفحة 267