كتاب سر صناعة الإعراب (اسم الجزء: 1)

ومن ذلك قول امرئ القيس:
وإن شفائي عبرة مهراقة ... فهل عن رسم دارس من معول1
ففي قوله "معول" مذهبان: أحدهما: أنه مصدر عولت، بمعنى أعولت، أي بكيت، أي فهل عند رسم دارس من إعوال وبكاء؟ والآخر: أنه مصدر عولت على كذا: أي اعتمدت عليه، كقولهم: "إنما عليك معولي"، أي اتكالي. وعلى أي الأمرين حملت المعول، فدخول الفاء على "فهل عند رسم" حسن جميل.
وأما إذا دخلت المعول بمعنى العويل2 والإعوال، أي البكاء، فكأنه قال: إن شفائي أن أسفح3 عبرتي، ثم خاطب نفسه أو صاحبيه فقال: إذا كان الأمر على ما قدمته من أن في البكاء شفاء وجدي4، فهل بي من بكاء أشفي به غليلي5.
فهذا ظاهره استفهام لنفسه، ومعناه التحضيض6 لها على البكاء، كما تقول: قد أحسنت إلي فهل أشكرك؟ أي فلأشكرنك، وقد زرتني، فهل أكافئنك، أي فلأكافئنك، وإذا خاطب صاحبيه فكأنه قال: قد عرفتكما سبب شفائي، وهو البكاء والعويل، فهل تعولان وتبكيان معي، لأشفي وجدي ببكائكما.
__________
1 العبرة: الدمعة. اللسان "4/ 2783". مهراقة: مصبوبة. اللسان "6/ 4654".
الرسم: الأثر. الدارس: البالي. معول: بكاء ونحيب.
الشرح: يقول إن شفاء صدري أن أقف على آثار الديار وأنزف الدموع حتى تطفئ أحزاني.
الشاهد في قوله: فهل عند رسم دارس من معول؟
إعراب الشاهد:
الفاء للتعقيب. هل: حرف استفهام.
عند: ظرف منصوب في محل رفع خبر مقدم.
رسم: مضاف إليه مجرور. دارس: نعت مجرور.
من: حرف جر زائد. معولك اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على الابتداء.
2 العويل: البكاء. مادة "عول". اللسان "4/ 3175".
3 أسفح: أصب، مادة "سفح". اللسان "2/ 2023".
4 وجدي: حزني. مادة "وجد" اللسان "6/ 4770".
5 الغليل: الحزن. مادة "غلل". اللسان "5/ 3285".
6 التحضيض: الحث. مادة "حضض". اللسان "2/ 910".

الصفحة 268