كتاب سر صناعة الإعراب (اسم الجزء: 1)

فإذا تضمنت الصلة والصفة جواب الشرط لم تدخل الفاء في آخر الكلام، وذلك قولك: الذي إن يزرني أزره له درهم، ولو قلت هنا فله درهم لم يجز، لأن الشرط لا يجاب دفعتين. وكذلك: كل رجل إن يزرني أكرمه له درهم، ولا يجوز فله درهم، لأن الصفة قد تضمنت الجواب، فلم يحتج إلى إعادته، ولو قلت الذي أبوه أبوك فزيد، لم يجز لأنه لم يتقدم في الصلة ما يصح به الشرط. وكذلك لو قلت: كل إنسان فله درهم، لم يجز، لأنه لم يتقدم صفة يستفاد منها معنى الشرط، فجرى هذان في الامتناع مجرى قولك: زيد فقائم، وعمرو فمنطلق، فاعرفه.
فهذا أيضا حال الفاء إذا خلصت للإتباع، وتجردت من العطف، وهي في الكلام كثيرة جدا، وقد بينت لك رسومها1، وأوضحت وجوهها، لتتناول الأمر من قرب.
فإن قيل: إذا صح بما قدمته حال الفاء في كونها عاطفة ومتبعة، فهل دلالتها على الأمرين سواء؟ أم هل لها اختصاص بأحدهما؟
فالجواب: أن أخص هذين المعنيين بالفاء إنما هو الإتباع دون العطف. وذلك أنها إذا كانت عاطفة فمعنى الإتباع موجود فيها، نحو ضربته فبكي، وأحسنت إليه فشكر، وقد تتجرد من معنى العطف فيما قدمنا ذكره من الجزاء، وهذه الأماكن التي أحدها ببيت أمرئ القيس:
فهل عند رسم دارس من معول2
فلما كان الإتباع لا يفارقها، والعطف قد يفارقها، كان أخص معنييها بها الإتباع، لملازمته لها.
وأما وجه زيادتها فقد جاء مجيئا صالحا.
أخبرنا أبو علي3 أن أبا الحسن4 حكى عنهم: أخوك فوجد، يريد أخوك وجد.
__________
1 رسومها: جمع رسم، ويقصد بها حدودها. مادة "رسم". اللسان "3/ 1646".
2 تقدم شرح البيت والتعليق عليه وإعراب الشاهد فيه.
3 أبو علي هو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي، أستاذ ابن جني.
4 وأبو الحسن: هو سعيد بن مسعدة المجاشعي الأخفش الأوسط.

الصفحة 270