كتاب سر صناعة الإعراب (اسم الجزء: 1)

فالجواب أنه قد يجوز مع الواو، لقوتها وتصرفها، ما لا يجوز مع الفاء من الاتساع، ألا ترى أنك لو قلت: قام محمد فعمرو جالس، وأنت تعطف على حد ما تعطف بالواو، لم يكن للفاء هنا مدخل، لأن الثاني ليس متعلقا بالأول، وحكم الفاء إذا كانت عاطفة، ألا تتجرد من معنى الإتباع والتعليق بالأول، كما تقدم من قولنا وهذا جواب أبو علي، وهو الصواب.
ومن طريف زيادة الفاء قول سيبويه: "زيدا إن يأتك فاضرب".
وقد أجمع البصريون على أن ما انتصب بفعل الشرط، أو بفعل جواب الشرط. لم يجز تقديمه على إن، وأنت قد تجد "زيدا" في هذه المسألة منصوبا، فلا يجوز إذا جعلت "فاضرب" جوابا أن تنصب به زيدا، لما قدمناه.
قال أبو علي: الفاء هنا: زائدة، واضرب: واقع غير موقعه. وجواب الشرط: محذوف دل عليه فاضرب. فكان تقديره: زيدا اضرب إن يأتك، ثم زاد الفاء، واكتفى بقوله: فاضرب، من جواب الجزاء، فكأنه قال: زيدا فاضرب، إن يأتك فاضرب، فزيد منصوب باضرب الأولى، والفاء فيها زائدة، وهي التي كانت مؤخرة فقدمت، وقوله "فاضرب" الثانية، هي جواب الشرط في الحقيقة.
ومن زيادتها بيت أنشده أبو الحسن:
أراني إذا ما بت بت على هوى ... فثم إذا أصبحت أصبحت غاديا1
كأنه قال: ثم أذا أصبحت أصبحت غاديا.
__________
1 البيت لزهير من قصيدة مطلعها:
ألا ليت شعري هل يرى الناس ما أرى ... من الأمر أو يبدو لهم ما بدا ليا
ومعنى البيت: أنني أصبح مريدا لشيء طالبا له، وإذا أمسيت تركته وعدلت عنه.
وذكره البغدادي في "3/ 588" واستشهد به المؤلف وابن هشام في المغني وابن عصفور في كتاب الضرائر على أن الفاء زائدة. غاديا: يروى بالعين المهملة.
والشاهد في قوله: "فثم إذا أصبحت أصبحت غاديا"، فهي شاهد على زيادة الفاء.
إعراب الشاهد: الفاء: زائدة. ثم: حرف عطف. إذا أداة شرط غير جازمة.
أصبحت: أصبح فعل ماضي تام، والتاء: فاعل.
أصبحت: فعل ماضي ناقص ناسخ، والتاء اسمها. غاديا: خبرها.

الصفحة 274