كتاب سر صناعة الإعراب (اسم الجزء: 1)

فإن قال قائل: فلم دخلت الفاء في جواب إما؟
فالجواب أنها إنما دخلت في الجواب لما في أما من معنى الشرط، وذلك أنك إذا قلت: أما زيد فمنطلق، فمعناه: مهما يقع من شيء، فزيد منطلق. فإن قيل: فإذا كان تقدير الكلام: مهما يقع من شيء فزيد منطلق، فنحن نرى الفاء قبل الجملة التي هي زيد منطلق.
ونحن إذا قلنا: أما زيد فمنطلق، فقد نرى زيدا قد تقدم على الفاء، وصار بعد الفاء اسم واحد، وهو منطلق، فما بال أحد الاسمين تقدم على الفاء مع ما، وتراهما جميعا متأخرين عن الفاء مع مهما؟
فالجواب: أن العرب كما تعنى بالمعاني فتحققها1، فكذلك أيضا تعنى بالألفاظ فتصلحها. وذلك أن هذه الفاء وإن كانت هنا متبعة2 غير عاطفة، فإنها قد تستعمل في العطف في كثير من المواضع، نحو قام زيد فعمرو، ورأيت محمدا فصالحا، فمن عادتها -عاطفة كانت أو متبعة- ألا تقع مبتدأة في أول الكلام، وأنه لا بد من أن يقع قبلها اسم أو فعل، فلو أنهم قالوا: أما فزيد منطلق، على تقدير مهما يقع من شيء فزيد منطلق، وأوجبوا على أنفسهم تقدم الفاء على الاسمين مع أما، كما يقدمونها عليهما مع مهما لوقعت الفاء مبتداة ليس قبلها في اللفظ اسم ولا فعل، إنما قبلها حرف، وهو أما، فقدموا أحد الاسمين قبل الفاء مع أما، لما حاولوه من إصلاح اللفظ، ليقع قبلها اسم في اللفظ، ويكون الاسم الثاني الذي بعده، وهو خبر المبتدأ، وإن لم يكن معطوفا الآن على المبتدأ، تابعا في اللفظ لاسم قبله، وهو زيد، فيكون الفاء هنا على صورة العاطفة وإن لم تكن عاطفة، كل ذلك لإصلاح اللفظ، فاعرفه، فإنه لطيف، وهو رأي أبي علي ومذهبه، وعنه علقت ما كتبته هنا، فإن اختلفت الألفاظ فإن المعاني متفقة.
__________
1 التحقيق: الإحكام. مادة "حقق". اللسان "2/ 944".
2 متبعة: أي رابطة بين المسبب والسبب. مادة "ت ب ع" اللسان "1/ 416".

الصفحة 277