كتاب سر صناعة الإعراب (اسم الجزء: 1)

واعلم أنك إذا أجبت هذه السبعة الأشياء1 بالفاء، فإن الكلام الذي هو مجاب، والكلام الذي هو جواب جميعا ينعقدان انعقاد الجملة الواحدة، وليستا بجملتين، وذلك أنك إذا قلت: ما أنت بصاحبي فأكرمك، فكأنك قلت، ليست بيننا صحبة مقتضية إكراما، فمقتضية جزء متصل بالجملة، على حد اتصال الصفة بالموصوف من الجملة المقدمة، وكذلك قوله.
يا ناق سيري عنقا فسيحا ... إلى سليمان فنستريحا2
في معنى: سيري سيرا مؤديا إلى الاستراحة، فمؤد متصل بما قبله، وليس منفصلا منه. وكذلك قولك: لا تشتمه فيشتمك، معناه: لا يكن منك شتيمة له داعية إلى شتمه إياك. وعلى هذا جميع هذه المسائل.
وأنت لو قلت: ما تزورني فتحدثني، فرفعت تحدثني، لم يكن الكلام كله جملة واحدة، بل هو جملتان، أي: ما تزورني، فهذه واحدة، وما تحدثني، فهذه أخرى، فاعرف حال هذا الفاء وما بعدها.
وقول البغداديين: إننا ننصب الجواب على الصرف، كلام فيه إجمال، بعضه صحيح، وبعضه فاسد. أما الصحيح فقولهم: الصرف: أي ينصرف بالفعل الثاني عن معنى الأول، وهذا هو معنى قولنا: إن الثاني يخالف الأول. فأما انتصابه بالصرف فخطأ، ولا بد له من ناصب مقتض له، لأن المعاني لا تنصب الأفعال، وإنما ترفعها المعاني، والمعنى الذي يرفع الفعل هو وقوع الفعل موقع الاسم، وجاز في الأفعال أن يرفعها المعنى، كما جاز في الأسماء أن يرفعا المعنى، أعني الابتداء، لمضارعة الاسم للفعل، فكما أن المضارعة في الفعل بمنزلة التمكن في الاسم، في إيجابها جنس الإعراب لهما، فكذلك وقوع الفعل موقع الاسم يوجب له الرفع، كما أن ابتداء الاسم يوجب له الرفع، وكما أن الأسماء لا تنتصب إلا بناصب لفظي، فكذلك الأفعال لا تنتصب إلا بناصب لفظي.
__________
1 هذه الأشياء هي: "الأمر، والنهي، والتمني، والاستفهام، والنفي، والدعاء، والعرض" مضاف إليها الأمر الثامن وهو "الترجي".
2 سبق شرح هذا البيت.

الصفحة 285