كتاب سر صناعة الإعراب (اسم الجزء: 1)

فأما قوله: "ولن ينهى ذوي شطط كالطعن" فلو حملته على إقامة الصفة مقام الموصوف، لكان أقبح من تأول1 قوله عز اسمه {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا} على حذف الموصوف، لأن الكاف في بيت الأعشى هي الفاعلة في المعنى، و"دانية" في هذا القول إنما هي مفعول به، والمفعول قد يكون غير اسم صريح، نحو: ظننت زيدا يقوم، وحسبت محمدا يفعل، والفاعل لا يكون إلا اسما صريحا محضا، وهم على إمحاضه اسما أشد محافظة من جميع الأسماء، ألا ترى أن المبتدأ قد يقع غير اسم محض، وهو قولهم "تسمع بالمعيدي خير من أن تراه"، فتسمع، كما ترى فعل، وتقديره: أن تسمع، فحذفهم "أن" ورفعهم تسمع، يدل على أن المبتدأ قد يمكن أن يكون عندهم غير اسم صريح. وإذا جاز هذا في المبتدأ على قوة شبهه بالفاعل، فهو في المفعول الذي يبعد عنهما أجوز، فمن أجل ذلك ارتفع الفعل في قول طرفة2:
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى3
__________
1 تأول: تأول الكلام أي فسره. مادة "أول" اللسان "1/ 172".
2 طرفة: هو طرفة بن العبد، أحد أصحاب المعلقات، وأحد فحول الشعراء الجاهليين.
3 شطر البيت لطرفة بن العبد ساقه في معلقته الشهيرة والتي تبدأ بقوله:
لخولة أطلال ببرقة ثهمد ... تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
البيت تكملته كالآتي:
ألا يهذا اللائمي أحضر الوغى ... وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي
حيث جاء اللائمي مكان الزاجري.
اللائمي: لام -يلوم- لوما أي عذله، فهو لائم ولوام. مادة "ل وم" اللسان "5/ 1004".
الزاجري: زجر -يزجر. أي كفه، وزجر فلانا: أي منعه ونهاه.
الوغى: أصله صوت الأبطال في الحرب ثم جعل اسما للحرب لما فيها من الصوت والجلبة.
اللذات: "م" لذة وهي إحدى الظواهر الوجدانية الأساسية. تتتميز بالإحساس بالراحة، وتقابل الألم وهي ضربان: حسية ومعنوية.
مخلدي: الخلود: البقاء. خلد: خلدا وخلودا أي دام وبقي. اللسان "2/ 1225".
يقول طرفة: ألا أيها الإنسان الذي يلومني على حضوري الحرب وحضور اللذت هل تخلدني إن كففت عنها، والاستفهام غرضه التوبيخ.
الشاهد فيه: نصب أحضر بأن، وهذا أكده الكوفيون، اما البصريون فأنكروا أن تعمل أن المحذوفة.

الصفحة 294