كتاب سر صناعة الإعراب (اسم الجزء: 1)

فهذا ونحوه يشهد بكون الكاف اسما، وبيت الأعشى أيضا يشهد بما قلنا، فلسنا ننزل عن الظاهر، ونخالف الشائع المطرد، إلى ضرورة واستقباح، إلا بأمر يدعو إلى ذلك، ولا ضرورة هنا، فنحن على ما يجب من لزوم الظاهر، ومخالفنا معتقد لما لا قياس يعضده، ولا سماع يؤيده.
ووجه ثالث: وهو أن خبر كأن هو خبر المبتدأ في الأصل، وخبر المبتدأ لا يلزم إمحاضه اسما.
فإن قال قائل: فما بال الفاعل خالف المبتدأ في وجوب كونه اسما محضا، وجواز كون المبتدأ غير اسم محض، وكلاهما محدث عنه، ومسند إليه؟
فالجواب: أن الفرق بينهما ظاهر لمتأمله، وذلك أن الجمل إنما تتركب من جزأين جزأين: إما اسم اسم، وهو نحو المبتدأ وخبره، وإما فعل واسم، نحو الفعل والفاعل، وما أقيم من المفعولين مقام الفاعل، ولا بد في كل واحدة من هاتين الجملتين إذا عقدت من اسم يسند إليه غيره، فأنت إذا أزلت عن المبتدأ أن يكون اسما محضا، فقد بقيت الجزء الذي هو اسم، وذلك نحو قولهم "تسمع بالمعيدي خير"1 فالمبتدأ الذي هو في اللفظ تسمع، قد أخبرت عنه باسم، وذلك الاسم خبر، فقد بقيت على كل حال في الجملة اسما، ولو ذهبت تحذف الفعل، وتقيم مقامه غير اسم، لبقيت الجملة معقودة بلا اسم، وهذا لفظ يناقض2 ما عقدت عليه الجمل في أول تركيبها، ولذلك رفض ذلك: فلم يوجد في الكلام.
فأما بيت جمل: "وحق لمثلي يا بثينة يجزع" فقليل شاد، على أن حذف "أن" في الكلام قد كثر، حتي صار كلا حذف، ألا ترى أن أصحابنا استقبحوا3
__________
1 تسمع بالمعيدي خير: هو مثل يضرب وتمامه: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. ذكره صاحب اللسان "3/ 2038".
2 يناقض: يخالف ويعارض. مادة "ن ق ض" اللسان "6/ 2524".
3 استقبحوا: عدوه قبيحا، والقبح ضد الحسن ويكون في القول والفعل والصورة.

الصفحة 298