كتاب سر صناعة الإعراب (اسم الجزء: 1)

نصب "غير" من قوله تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ} [الزمر: 64] 1، بأعبد. قالوا: لأن التقدير والمعنى: قل أفغير الله تأمروني أن أعبد، فكأن "أن" هناك، وما بعد "أن" لا يجوز أن يعمل فيما قبلها، لامتناع تقديم الصلة أو شيء منها على الموصول، أولا تراهم كيف تخيلوا أن التقدير: قل أتأمروني أن أعبد غير الله. ولولا أنهم قد أنسوا بحذف "أن" من الكلام، وإرادتها، لما استقبحوا انتصاب "غير" بأعبد، فهذا شرح الفاعل والمبتدأ وما لم يسم فاعله.
فأما خبر المبتدأ، فلا يلزم أن يكون اسما محضا، لأن الجمل تقع هناك وقوعا حسنا مطردا، وهذا في خبر "كان" أحسن منه في خبر "إن" لأنك قد استوفيت بكان واسمها لفظ الفعل والفاعل، ولم تستوف بإن واسمها إلا لفظ الفعل والمفعول، لأن اسم كان مشبه بالفاعل، واسم إن مشبه بالمفعول، إلا أنه جاز في خبر "إن" أن يكون جملة، وغير اسم محض، من حيث كان خبر المبتدأ في المعنى، فكما جاز أن يكون خبر المبتدأ غير اسم محض وجملة، جاز أيضا في خبر إن، إلا أنه في خبر إن ليس في حسن خبر المبتدأ، لأن المبتدأ اسم مرفوع، فقد حصل معك شب الفاعل، واسم إن وأخواتها منصوب، فإذا جعلت الخبر غير اسم محض، فقد أخليت العقدة من اسم مرفوع.
فأما اسم كان فجعلك إياه غير اسم محض، أقبح من فعلك ذلك بخبر إن، وذلك أن اسم كان مشبه بالفاعل من خبر إن، ألا ترى أنه يباشر كان مباشرة الفاعل لفعله، ويضمر في الفعل كإضمار الفاعل، وذلك نحو: كنت أخاك، كقولهم: ضربت أخاك، وخبر إن لا يباشر إن ولا يضمر فيها، فلم يقو في شبه الفاعل قوة اسم كان في ذلك.
__________
1 أخرج البيهقي في الدلائل عن الحسن البصري قال:
قال المشركون للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أتضلل آباءك وأجدادك يا محمد؟ فأنزل الله تعالى الآية: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي ... } إلى قوله تعالى: {مِنَ الشَّاكِرِينَ} ، والاستفهام غرضه التوبيخ والتحقير من شأن ما يدعونه إلى عبادته من دون الله.
الشاهد فيه: نصب "أعبد" بأن المحذوفة والتقدير "أن أعبد".
إعراب الشاهد: أعبد: فعل مضارع منصوب بأن المحذوفة وعلامة نصبه الفتحة.

الصفحة 299