كتاب سر صناعة الإعراب (اسم الجزء: 1)

فقد صح بما قدمنا أن كاف الجر قد تكون مرة اسما ومرة حرفا، فإذا رأيتها في موضع تصلح فيه لأن تكون اسما ولأن تكون حرفا، فجوز فيها الأمرين، وذلك نحو قولك زيد كعمرو، فقد تصلح أن تكون الكاف هنا اسما، كقولك زيد مثل عمرو، ويجوز أن تكون حرفا، كقولك زيد من الكرام، فكما أن من حرف جر وقع خبرا عن المبتدأ، فكذلك الكاف تصلح أن تكون حرف جر، فإذا قلت: أنت كزيد، وجعلت الكاف اسما، فلا ضمير فيها، كما أنك إذا قلت: أنت مثل زيد، فلا ضمير في مثل، كما لا ضمير في الأخ ولا الابن إذا قلت: أنت أخو زيد، وأنت ابن زيد.
هذا قول أصحابنا، وإن كان قد أجاز بعض البغداديين أن يكون في هذا النحو الذي هو غير مشتق من الفعل ضمير، كما يكون في المشتق، فإذا جعلت الكاف في قول: أنت كزيد حرفا، ففيها ضمير، كما تتضمن حروف الجر الضمير إذا نابت عن الأفعال في قولك: زيد من الكرام، ومحمد على الفرس.
واعلم أنه كما جاز أن تجعل هذه الكاف فاعلة في بيت الأعشى وغيره، فكذلك يجوز أن تجعل مبتدأة، فتقول على هذا: كزيد جاءني، وأنت تريد: مثل زيد جاءني، وكبكر غلام لمحمد، فإن أدخلت "إن" على هذا قلت: إن كبكر غلام لمحمد، فرفعت الغلام، لأنه خبر إن، والكاف في موضع نصب، لأنها اسم إن، وتقول إذا جعلت الكاف حرفا وخبرا مقدما: إن كبكر أخاك. وتريد: إن أخاك كبكر، كما تقول: إن من الكرام زيدا.
واعلم أن أقيس الوجهين إذا قلت: أنت كزيد، أن تكون الكاف حرفا جارا، بمنزلة الباء واللام، لأنها مبنية مثلهما، ولأنها أيضا على حرف واحد، ولا أصل لها في الثلاثة، فهي بالحرف أشبه، ولأن استعمالها حرفا أكثر من استعمالها اسما.
واعلم أن هذه الكاف التي هي حرف جار، كما كانت غير زائدة فيم قدمنا ذكره فقد تكون زائدة مؤكدة، بمنزلة الباء في خبر ليس، وما، ومن، وغير ذلك من حروف الجر، وذلك نحو قوله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشوري: 11] 1.
__________
1 أي أن الله عز وجل لا يشبب شيء من خلقه، فهو متفرد بذته وصفاته وأفعاله.
الشاهد فيه قوله عز وجل: {كَمِثْلِهِ} حيث إن الكاف الجارة زائدة للتوكيد.
إعراب الشاهد:
ك: حرف جر مبني زائد لا محل له من الإعراب يدخل على الاسم فيعمل فيه الجر.
مثله: مثل اسم مجرور بحرف الجر لفظا منصوب محلا لوقوعه خبر ليس وهو مضاف، والهاء ضمير متصل مبني في محل جر مضاف إليه.

الصفحة 300