كتاب سر صناعة الإعراب (اسم الجزء: 1)

موضع نصب، إلا أن هذا الموضع متى عطفت على لفظه أفدت معنى، فإن عطفت على معناه دون
لفظه، أفدت معنى آخر، ألا ترى أنك لو قلت: ما زيد كعمرو ولا شبيه به، فجررت الشبيه، فإنما أردت ولا كشبيه به، فقد أثبت له شبيها، ونفيت أن يكون زيدا كالذي يشبه عمرا، وأنت إذا قلت: ما زيد كعمرو ولا شبيها، فإنما نفيت عن زيد أن يكون شبيها لعمرو، ولم تثبت لعمرو شبيها، وليس كذلك قولنا: ما أنت بعمرو ولا خالدا، لأنك إن نصبت خالدا على المعنى أو جررته على اللفظ، فإنما معناه في الموضعين واحد، أي ما أنت هذا ولا هذا.
فقول سيبويه "لأنك تريد ما هو مثل هذا ولا مفلحا، هذا معنى الكلام"، يحتمل أمرين:
أحدهما: أن معنى الكاف معنى مثل، وهي حرف.
والآخر: أن معنى الكاف معنى مثل، وهي اسم، كما أن مثلا اسم، فإن كانت الكاف اسما، فالعطف عليه ظاهر، وإن كانت حرفا، كان العطف عليها وعلى ما جره، لأنهما في موضع نصب، على ما تقدم من بياننا.
وقوله: فإن أراد أن يقول: ولا بمنزلة من يشبهه، جره" يقول: إذا جررت شبيها به، فقد أثبت لعمرو شبيها، لأنك أردت: ولا كمن يشبهه.
ومثل ذلك فقال: وذلك نحو قولك: ما أنت كزيد ولا خالد، فهذا يبين لك أنك إذا جررت، فعطفت على عمرو وحده، فقد أثبت هناك شبيها لعمرو، وهو غيره، كما أنك إذا قلت: ما أنت كزيد ولا خالد، فقد أثبت غير زيد وهو خالد.
وقوله "فإذا قلت: ما أنت بزيد ولا قريبا منه، فليس هاهنا معنى بالباء لم يكن قبل أن تجيء بها": يريد أن قولك: ما أنت بزيد، وما أنت زيدا، معناهما واحد، وإنما جئت بالباء زائدة مؤكدة، على ما تقدم في صدر كتابنا هذا من قول عقيبة:
................ ... فلسنا بالجبال ولا الحديدا1
__________
1 نسب الزمخشري البيت لعبد الله الأسدي، والبيت بتمامه:
معاوي إننا بشر فأسجح ... فلسنا بالجبال ولا الحديدا
ويقصد الشاعر معاوية بن أبي سفيان بن حرب، وأمه: هند بنت عتبة، ملك المسلمين بعد قتال دار بينه وبين علي كرم الله وجهه، ويطلب الشاعر من معاوية أن يترفق بهم فهم ليسوا جبالا ولا حديدا حتى يتحملوا.
الشاهد في قوله "بالجبال" حيث إن الياء حرف جر زائد يدخل على الاسم فيعمل فيه الجر.
إعراب الشاهد: الجبال: اسم مجرور لفظا منصوب محلا باعتباره خبر ليس، ورويت الحديد بالنصب على التبعية للجبال، ورويت بالكسر بالتبعية على الظاهر.

الصفحة 303