كتاب سر صناعة الإعراب (اسم الجزء: 1)

فالجواب أن ذلك جائز في الأسماء من وجهين:
أحدهما: أن الأسماء أقوى وأعم تصرفا من الحروف، وهي الأول الأصول. فغير منكر أن يتجوز فيه ما لا يتجوز في الحروف، ألا ترى أن التاء في ربت وثمت علامة تأنيث، كما أن التاء في مسلمة وعاقلة علامة تأنيث؟ وقد أبدلوا تاء التأنيث في الاسم هاء في الوقف، فقالوا مسلمه، وعاقله، ولم يبلدوا التاء في ربت وثمت ولات ولعلت في وقف ولا وصل، لأنه ليس للحرف قوة الاسم وتصرفه، والفعل أيضا في هذا جار مجرى الحرف.
ألا ترى أن التاء في قامت وقعدت ثابتة غير مبدلة في وصل ولا وقف؟ فهذا أحد الوجهين.
والوجه الآخر: أن الأسماء ليست في أول وضعها مبنية على أن تضاف ويجر بها، وإنما الإضافة فيها ثان لا أول، فجاز فيها أن تعرى1 في اللفظ من الإضافة، وإن كانت الإضافة فيها منوية2، وأما حروف الجر فوضعت على أنها للجر البتة، وعلى أنها لا تفارق المجرور لضعفها وقلة استغنائها عن المجرور، فلم يمكن تعليقها عن الجر والإضافة، لئلا يبطل الغرض الذي جيء بها من أجله، فهذا أمر ظاهر واضح.
فإن قال قائل: فمن أين جاز للاسم أن يدخل على الحرف في قوله "مثل كعصف".
فالجواب أنه إنما جاز ذلك، لما بين الكاف ومثل من المضارعة في المعنى، فلما جاز لهم أن يدخلوا الكاف على الكاف في قوله:
وصاليات ككما يؤثفين3
لمشابهته لمثل، حتى كأنه قال: كمثل ما يؤثفين، كذلك أدخلوا أيضا مثلا على الكاف في قوله: "مثل كعصف"، وجعلوا ذلك تنبيها على قوة الشبه بين الكاف ومثل.
__________
1 تعرى: يقصد تخلو. مادة "ع ر ى". اللسان "4/ 2920".
2 منوية: مقصودة. مادة "ن وى". اللسان "6/ 4589".
3 تم الحديث عن هذا الشاهد.

الصفحة 309