كتاب سر صناعة الإعراب (اسم الجزء: 1)

وعلى هذا قالوا: إن كذا وكذا درهما مالك، فرفعوا المال، لأن الغرض في كذا وكذا إنما هو التوكيد والتكثير، وإذا كانت الكاف غير زائدة تعلقت بالفعل، لأنها حينئذ بمنزلة غيرها من سار حروف الجر، فكما أن تلك كلها متى لم تزد فهي متعلقة بأفعال، فكذلك ينبغي أن تكون الكاف غير الزائدة، وذلك نحو قولك: أنت كزيد، فالتقدير: أنت "كائن" كزيد، كما أنك إذا قلت: أنت لزيد، فكأنك قلت: أنت كائن لزيد.
وفي هذا الفصل مسألتان تحتاجان إلى شرح وبيان:
أما إحداهما فقولنا: كأن زيدا عمرو.
إن سأل سائل فقال: ما وجه دخول الكاف هنا، وكيف أصل وضعها وترتيبها؟
فالجواب: أن أصل قولنا: كأن زيدا عمرو، إنما هو أن زيدا كعمرو، فالكاف هنا تشبيه صريح، وهي متعلقة بمحذوف، فكأنك قلت: إن زيدا كائن كعمرو، ثم إنهم أرادوا الاهتمام بالتشبيه الذي هو عليه عقدوا الجملة، فأزالوا الكاف من وسطها، وقدموها إلى أولها، لإفراط1 عنايتهم بالتشبيه، فلما أدخلوها على إن من قبلها، وجب فتح إن، لأن المكسورة لا يتقدمها حروف الجر، ولا تقع إلا أولا أبدا، وبقي معنى التشبيه، الذي كان فيها وهي متوسطة بحاله فيها وهي متقدمه، وذلك قولهم: كأن زيدا عمرو، إلا أن الكاف الآن لما تقدمت، بطل أن تكون متعلقة بفعل، ولا معنى فعل، لأنها فارقت الموضع الذي يمكن أن تتعلق فيه بمحذوف، وتقدمت إلى أول الجملة، وزالت عن الموضع الذي كانت فيه متعلقة بخبر إن المحذوف، فزال ما كان لها من التعلق بمعاني الأفعال، وليست هاهنا زائدة، لأن معنى التشبيه موجود فيها، وإن كانت قد تقدمت، وأزيلت عن مكانها، وإذا كانت غير زائدة فقد بقي النظر في "أن" التي دخلت عليها، هل هي مجرورة بها أو غير مجرورة، فأقوى الأمرين عليها عندي أن تكون "أن" في قولك كأنك زيد، مجرورة بالكاف.
فإن قلت: إن الكاف الآن ليست متعلقة بفعل، فلم يجر به؟
__________
1 إفراط: أفرط إفراطا: أي جاوز الحد والقدر في قول أو فعل.

الصفحة 313