كتاب سر صناعة الإعراب (اسم الجزء: 1)

قيل له: الكاف وإن لم تكن متعلقة بفعل، فليس ذلك بمانع من الجر بها، ألا ترى أن الكاف في قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} هي غير متعلقة بفعل، وهي مع ذلك جارة؟ ويؤكد عندك أيضا أنها هنا جارة، فتحهم الهمزة بعدها، كما يفتحونها بعد العوامل الجارة وغيرها، وذلك نحو قولك: عجبت من أنك قائم، وأعطيتك لأنك شاكر، وأظن أنك منطلق، وبلغني أنك كريم، فكما فتحت "أن" لوقوعها بعد العوامل قبلها موقع الأسماء، كذلك فتحت أيضا في كأنك قائم، لأن قبلها عاملا قد جرها، فاعرف ذلك.
ونظير هذا الكلام في أنه قد خلط بعضه ببعض، وصارت فيه كأن حرفا واحدا، مذهب الخليل في "لن"، وذلك أن أصلها عنده "لا أن"، وكثر استعمالها، فحذفت الهمزة تخفيفا، فالتقت ألف "لا" ونون "أن" وهما ساكنتان، فحذفت الألف من "لا" لسكونها وسكون النون بعدها، فصارت "لن" فخلطت اللام بالنون، وصار لهما بالامتزاج والتركيب الذي وقع بينهما حكم آخر.
يدلك على ذلك قول العرب: زيدا لن أضرب، فلو كان حكم أن المحذوفة مبقي بعد حذفها وتركيب النون مع لام "لا" قبلها، كما كان قبل الحذف والتركيب، لما جاز لزيد أن يتقدم على "لن" لأنه كان يكون في التقدير من صلة أن المحذوفة الهمزة، ولو كان من صلتها لما جاز تقدمه عليها على وجه.
فهذا يدلك أن الشيئين إذا خلطا حدث لهما حكم ومعنى لم يكن لهما قبل أن يمتزجا، ألا ترى أن لولا مركبة من "لو" و"لا" ومعنى "لو" امتناع الشيء لامتناع غيره، ومعنى "لا" النفي أو النهي. فلما ركبا معا حدث معنى آخر، وهو امتناع الشيء لوقوع غيره.
فهذا في "لن" بمنزلة قولنا كأن، ومصحح له، ومؤنس به، وراد على سيبويه ما ألزمه الخليل: من أنه لو كان الأصل "لا أن" لما جاز: زيدا لن أضرب، لامتناع جواز تقديم الصلة على الموصول، وحجاج الخليل في هذا ما قدمنا ذكره، لأن الحرفين حدث لهما بالتركيب ما لم يكن لهما مع الأفراد.
مضت المسألة الأولى.

الصفحة 314