كتاب سر صناعة الإعراب (اسم الجزء: 1)

فالجواب أنها مركبة، والذي علقته عن أبي علي عن أصحابنا، أن أصلها كأي، كقوله عز اسمه: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ} ثم أن العرب تصرفت في هذه اللفظة، لكثرة استعمالها إياها، فقدمت الياء المشددة، وأخرت الهمزة، كما فعلت ذلك في عدة مواضع، نحو قسي وأشياء في قول الخليل، وشاك ولاث ونحوهما في قول الجماعة، وجاء وبابه في قول الخليل أيضا، وغير ذلك، فصار التقدير فيما بعد: كيأ، ثم إنهم حذفوا الياء الثانية تخفيفا، كما حذفوها في نحو: ميت وهين ولين، فقالوا: ميت، وهين، ولين، فصار التقدير كيء، ثم إنهم قلبوا الياء ألفا لانفتاح ما قبلها، كما قلبوها في طائي وحاري وآية في قول غير الخليل، فصارت كاء.
وأخبرنا أبو علي: قال: قرأت على أبي بكر في بعض كتب أبي زيد: سمعت أبا عمر الهذلي يقول في تصغير دابة: دوابة. قال أبو علي: أراد دويبة، فقلبت الياء ألفا. فهذا أيضا كما قلنا في كاء. وفيها لغات أخرى غير هذه.
يقال: كأي وكاء، وكأي بوزن كعين، وكأ بوزن كعن. حكى ذلك أحمد بن يحيى، فمن قال كأي فهي "أي" دخلت عليها الكاف، ومن قال كاء فقد شرحنا أمره، ومن قال كأي بوزن كعين، فأشبه ما فيه أنه لما أصاره التعبير على ما ذكرنا إلى كيء، قدم الهمزة، وأخر الياء، ولم يقلب الياء ألفا، وحسن له ذلك ضعف هذه الكلمة، وما اعتورها1 من الحذف والتغيير.
ومن قال: "كأ" بوزن كعن، فإنه حذف الياء من كيئ تخفيفا أيضا.
فإن قلت: إن في هذا إجحافا بالكلمة، لأنه حذف بعد حذف، قلت: ليس ذاك بأكثر من مصيرهم من أيمن الله إلى م الله وم الله. وإذا كثر استعمال الحرف حسن فيه ما لا يحسن في غيره: من التغيير والحذف، فاعرف ذلك إن شاء الله.
فهذه حال الكاف الجارة في مواقعها، وانقسامها، وتشعبها.
وأما الكاف غير الجارة فهي على ضربين:
أحدهما اسم، والآخر: حرف.
__________
1 اعتورها: أي أصابها من شين وقبح. مادة "ع ور" اللسان "4/ 3166".

الصفحة 316