كتاب تفسير القرطبي (اسم الجزء: 1)

الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) أَمْرٌ مَعْنَاهُ الْوُجُوبُ وَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي مَعْنَى إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَاشْتِقَاقِهَا وَفِي جُمْلَةٍ مِنْ أَحْكَامِهَا «1»، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَآتُوا الزَّكاةَ) أَمْرٌ أَيْضًا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَالْإِيتَاءُ الْإِعْطَاءُ. آتَيْتُهُ: أَعْطَيْتُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى" لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ" [التوبة: 75]. وَأَتَيْتُهُ- بِالْقَصْرِ مِنْ غَيْرِ مَدٍّ- جِئْتُهُ فَإِذَا كَانَ الْمَجِيءُ بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ مُدَّ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: (وَلَآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَأُخْبِرَنَّهُ) وَسَيَأْتِي. الثَّالِثَةُ- الزَّكَاةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ زَكَا الشَّيْءُ إِذَا نَمَا وَزَادَ يُقَالُ زَكَا الزَّرْعُ وَالْمَالُ يَزْكُو إِذَا كَثُرَ وَزَادَ. وَرَجُلٌ زَكِيٌّ أَيْ زَائِدُ الْخَيْرِ. وَسُمِّيَ الْإِخْرَاجُ مِنَ الْمَالِ زَكَاةً وَهُوَ نَقْصٌ مِنْهُ مِنْ حَيْثُ يَنْمُو بِالْبَرَكَةِ أَوْ بِالْأَجْرِ الَّذِي يُثَابُ بِهِ الْمُزَكِّي وَيُقَالُ زَرْعٌ زَاكٍ بَيِّنُ الزَّكَاءِ. وَزَكَأَتِ النَّاقَةُ بِوَلَدِهَا تَزْكَأُ بِهِ إِذَا رَمَتْ بِهِ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهَا. وَزَكَا الْفَرْدُ إِذَا صَارَ زَوْجًا بِزِيَادَةِ الزَّائِدِ عَلَيْهِ حَتَّى صَارَ شَفْعًا قَالَ الشَّاعِرُ:
كَانُوا خَسًا أَوْ زَكًا مِنْ دُونِ أَرْبَعَةٍ ... لَمْ يَخْلَقُوا وَجُدُودُ النَّاسِ تَعْتَلِجُ
جَمْعُ جَدٍّ وَهُوَ الْحَظُّ وَالْبَخْتُ تَعْتَلِجُ أَيْ تَرْتَفِعُ. اعْتَلَجَتِ الْأَرْضُ طَالَ نَبَاتُهَا فَخَسَا الْفَرْدُ وَزَكَا: الزَّوْجُ. وَقِيلَ: أَصْلُهَا الثَّنَاءُ الْجَمِيلُ وَمِنْهُ زَكَّى الْقَاضِي الشَّاهِدَ. فَكَأَنَّ مَنْ يُخْرِجُ الزَّكَاةَ يُحَصِّلُ لِنَفْسِهِ الثَّنَاءَ الْجَمِيلَ وَقِيلَ: الزَّكَاةُ مَأْخُوذَةٌ مِنَ التَّطْهِيرِ كَمَا يُقَالُ: زَكَا فُلَانٌ أَيْ طَهُرَ مِنْ دَنَسِ الْجَرْحَةِ وَالْإِغْفَالِ «2» فَكَأَنَّ الْخَارِجَ مِنَ الْمَالِ يُطَهِّرُهُ مِنْ تَبِعَةِ الْحَقِّ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ فِيهِ لِلْمَسَاكِينِ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّى مَا يَخْرُجُ مِنَ الزَّكَاةِ أَوْسَاخَ النَّاسِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى" خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها" «3» [التوبة: 103] الرَّابِعَةُ- وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالزَّكَاةِ هُنَا فَقِيلَ: الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ لِمُقَارَنَتِهَا بِالصَّلَاةِ وَقِيلَ: صَدَقَةُ الْفِطْرِ قاله مالك في سماع ابن القاسم
__________
(1). راجع ص 177 - 164 من هذا الجزء.
(2). في نسخة: (أو الأنفال) وكذا في تفسير ابن عطية.
(3). راجع ج 8 ص 244.

الصفحة 343